17 نيسان/ أبريل 2004: قوات الاحتلال الإسرائيلي تغتال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي
رغم تحذير مرافقيه وأسرته، وتحديدا زوجته، أصر زعيم حركة حماس في غزة عبد العزيز الرنتيسي على العودة الى بيته في حي النصر الذي تركه نهائياً قبل عدة أشهر، بعد أن أدرك انه على رأس قائمة المطلوبين لقوات الاحتلال
لم يستطع الرنتيسي، مقاومة الاغراء، وضرب بكل هذه التحذيرات عرض الحائط عندما علم ان بناته وأحفاده قد قدموا لزيارة بيت العائلة.
الذين يعرفون الرنتيسي شخصيا يدركون مدى حبه لبناته الخمس وجميعهن متزوجات، وتعلقه بأحفاده الذين ألحوا على امهاتهم ان يقصدوا بيت الجد عساهم يلقونه هناك.
منذ أذان صلاة عصر وحتى قبيل أذان العشاء، ظل الرنتيسي جالسا بين بناته ونجليه محمد واحمد، بينما كان بعض الاحفاد يتناوبون في الاعتلاء على كتفه.
كان اللقاء مناسبة لكي يطمئن الوالد على اخبار بناته اللواتي مضت عدة اسابيع على آخر لقاء بينه وبينهن.
خلال اللقاء منع الجد إحدى بناته من توبيخ أحد أبنائها بعد أن خلع نظارة جده الطبية وأخذ يعبث بها.
اكثر ما تركز عليه الحديث في اللقاء كان ترتيبات زواج النجل الاكبر محمد، الذي عقد قرانه على فتاة من عائلة غزية مرموقة قبل اسبوعين فقط.
بعيد أذان المغرب رن جرس الهاتف الجوال، وكان على الطرف الثاني مرافقه أكرم نصار الذي استحثه على مغادرة المنزل، فأخبره الرنتيسي انه سيؤدي صلاة المغرب جماعة مع نجليه وبناته، ثم يغادر.
(كان من المفترض ان ينقل الرنتيسي في سيارة «السوبارو» البيضاء التي كان يتحرك بها مؤخرا، لكن نجله الأصغر أحمد تدخل في هذه الأثناء، وأصر على أن يستخدم أكثر من سيارة بغرض التمويه وإرباك وسائل الرصد الالكترونية التي تستخدمها المخابرات الإسرائيلية في تعقب والده، رغم عدم وجود طائرات استطلاع إسرائيلية في تلك الأثناء في أجواء المدينة.
أحمد الذي أصيب بجراح خطرة في محاولة الاغتيال الأولى التي تعرض لها والده قبل عام ونصف العام، أصر على أن يقوم هو بنقل أبيه في سيارة «أودي»، إلى منتصف شارع «اللبابيدي»، الذي يربط شارعي «الجلاء»، و«النصر»، على أن ينتظر هناك مرافقو والده بسيارة «السوبارو». وافق الرنتيسي تحت إلحاح نجله الذي بدا عصبيا بشكل واضح.
وبالفعل نقل أحمد أباه الى منتصف شارع اللبابيدي، وما ان استقل والده السيارة مع مرافقيه الاثنين، حتى حدث ما حذره منه احمد. فقد دوى صوت انفجار سمعت اصداؤه في جميع ارجاء غزة باطلاق طائرة هليكوبتر عسكرية اسرائيلية من طراز «اباتشي»، اميركية الصنع ثلاثة صواريخ من طراز «هيل فاير» الحارقة على السيارة.
ظل احمد ملتصقا بمقعد القيادة، فقد علم ان أباه قد قضى. وعلى بعد كيلومترين من مكان وقوع عملية الاغتيال تعالى عويل احدى بنات الرنتيسي، صارخة "لقد قتلوا أبي"، مع انه في هذه اللحظات لم يكن يعرف احد من هو المستهدف في عملية الاغتيال، وما هي الا لحظات حتى علا صراخ الاحفاد الذين كانوا قبيل دقائق تغمرهم السعادة، وهم يتنقلون من حضن جدهم الى كتفه.
الذين ينتقدون الرنتيسي يأخذون عليه مدى استهتاره بالتحذيرات الأمنية، واصراره على التحرك رغم تشديد قادة "اسرائيل" واجهزتها الامنية على انه هو المطلوب رقم واحد لهم، وان عملية اغتياله اضحت ضرورة امنية واستراتيجية لـ "اسرائيل".
ومع ادراك الرنتيسي لقدرات "اسرائيل" الكبيرة القائمة على تقنيات التجسس الالكترونية المستندة الى شبكة متشبعة من الوسائل، فضلا عن العدد الكبير من العملاء داخل الاراضي الفلسطينية، ظل يسوق كل الحجج من اجل عدم التقيد بالاجراءات الامنية الاحتياطية.
الرنتيسي الذي طالما ووجه بمثل هذا الانتقاد كانت اجابته واحدة ووحيدة "الأعمار بيد الله، واذا حان اجلي، فان كل وسائل الحذر لن تحول دون قضاء الله وقدره". ويشدد الرنتيسي على ان قائد حركة بحجم حركة حماس لا يمكنه مواصلة الاختباء والتخفي، وانه لا بد من الالتقاء بجمهور الحركة. من هنا فان الرنتيسي لم يفوت تقريبا المشاركة في اي احتفال للحركة.
حزب الله: الادارة الاميركية تتحمل مسؤولية اغتيال الرنتيسي
حمل حزب الله الادارة الاميركية التي توفر التغطية والتأييد المعنوي والسياسي والدعم المادي لحكومة القتلة في تل ابيب المسؤولية المباشرة عن جريمة اغتيال زعيم حركة "حماس" في قطاع غزة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي.
واعلن الحزب في بيان: "على طريق شيخ المجاهدين الشيخ احمد ياسين ينضم الى قافلة الشهداء الابرار المجاهد الكبير والاخ العزيز الدكتور عبد العزيز الرنتيسي بعد مسيرة حافلة بالتضحية والفداء في سبيل فلسطين وسبيل أمته وشعبه المجاهد. اننا اذ نتقدم من عائلة الشهيد القائد, ومن اخواننا المجاهدين في قيادة حركة "حماس" ومن شعبنا الفلسطيني الصابر المحتسب, بأحر التعازي واصدق التبريكات, فاننا نؤكد على الامور التالية:
اولا, ان المقاومة المسلحة هي الطريق الوحيد لردع العدوان والانتصار لدماء الشهداء وتحرير الارض والشعب, ونعتقد ان حركة "حماس" ومعها فصائل المقاومة الشريفة كافة, الذين نالوا وساما رفيعا من الكرامة والبطولة باستشهاد القائد العزيز, سوف يواصلون هذا الطريق الدامي, موحدين متكاتفين حتى النصر الموعود باذن الله.
ثانيا, ان الادارة الاميركية التي توفر التغطية والتأييد المعنوي والسياسي, والدعم المادي لحكومة القتلة في تل ابيب تتحمل المسؤولية المباشرة عن هذه الجريمة النكراء. ثالثا, ان جريمة الاغتيال التي تلطخت بها يدا المجرم الصهيوني شارون, التي هي استكمال عملي لمواقف الرئيس الاميركي الاخيرة حول القضية الفلسطينية, انما تمثل صفعة قاسية لكل الانظمة العربية والمنخرطين في اوهام التسوية التي تعتاش على دماء الفلسطينيين وكرامتهم, وهم مدعوون جميعا ان يعودوا الى ضمائرهم وذواتهم وان يتخذوا المواقف التي تتناسب مع فداحة هذه الجريمة الموصوفة. رابعا, ان الأمة العربية والاسلامية والقوى الحرة في المجتمع الدولي غير المرتهنة لطغيان الادارة الاميركية واستكبارها, مطالبون بالوقوف بقوة الى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم, ومنع الابادة الجماعية عنه بغير كلمات الادانة والاستنكار التي لا تردع القاتل الصهيوني عن الاستمرار في جرائمه ضد الانسانية".
القسام: براكين الثأر لياسين والرنتيسي
أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن دماء الدكتور عبد العزيز الرنتيسي قائد الحركة بقطاع غزة الذي اغتالته "إسرائيل" ومن قبله مؤسسها وزعيمها الروحي الشيخ أحمد ياسين قبل نحو شهر ـ ستفجر "براكين" الثأر من "إسرائيل"
وقد عمت المظاهرات والاحتجاجات الشعبية مختلف أنحاء العالم العربي تنديداً بإقدام "إسرائيل" على اغتيال الدكتور "عبد العزيز الرنتيسي، وطالب المحتجون الحكومات العربية بسحب الدبلوماسيين العرب من "إسرائيل"، وطرد سفراء "إسرائيل" من الدول العربية، ووقف كل أشكال التطبيع معها.