18 آذار/ مارس 1986: معتقل الخيام، نموذج الإرهاب الصهيوني
في هذا التاريخ من العام 1986 عثر أهالي القرى اللبنانية على ثلاث جثث في خراج بلدة الخيام، في جنوب لبنان. وتبين أن الجثث عائدة لثلاثة معتقلين قضوا جراء التعذيب في معتقل الخيام. فقد كانت سلطات الاحتلال الصهيونية تزج بمئات المعتقلين اللبنانيين في سجن بلدة الخيام في جنوب لبنان، وكان عملاؤها يقومون بممارسة شتى انواع التعذيب بحق المعتقلين.
وأظهرت التقارير الصادرة عن منظمة الصليب الاحمر وعن منظمات انسانية اخرى، عمق المأساة التي عاشها هؤلاء المعتقلون، اذ كانوا لا يرون الضوء على الإطلاق، وتمنع عنهم مياه الاستعمال لأسابيع عدة، ويقدم إليهم أطعمة تكون على الأغلب من الحبوب والاجبان التي ضربها العفن و نخرتها الحشرات.
وأكدت التقارير الصادرة عن منظمات طبية دولية، إصابة العديد من المعتقلين بأمراض مستعصية، كما ان العديد منهم توفي تحت التعذيب، وعادة ما كان يتم زج المعتقلين في سجن الخيام لسنوات طويلة من دون محاكمته، فبعضهم قد مضى على اعتقاله ما يتراوح بين العشرة والخمس عشرة سنة من دون أي أفق لإطلاق سراحه.
الموضوع التالي يسلط الضوء على المعتقلين في سجن الخيام، ويصور أوضاعهم المأساوية استنادا إلى شهادات لمعتقلين سابقين والى تقارير صادرة عن منظمات ومؤسسات إنسانية دولية، وإذ يعود تاريخ هذا الموضوع إلى ما قبل تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني عام 2000، فلا شك ، انه يشرح واقع حال المعتقلين خلال السنوات التي قضوها في المعتقل.
يعود أساس سجن الخيام إلى ثكنة أنشأتها قوات الانتداب الفرنسية سنة 1933، وكانت الثكنة المذكورة مقرا لقوات المرابطة في منطقة جنوبي الجنوب. واختيار المكان الذي لا يبعد اكثر من مائة متر عن البلدة المعروفة باسم الخيام كان مقصودا في حد ذاته، ولجملة عوامل سياسية وجغرافية متداخلة. فالخلافات الفرنسية البريطانية على تخطيط الحدود كان جليا بين الدولتين المنتدبتين على لبنان وفلسطين. وبديهي القول ان بريطانيا كانت، من ورائها الحركة الصهيونية، تضغط لمد نفوذها نحو خط يمتد شرقا من جنوبي وادي البقاع ويصل غربا إلى محاذاة صيدا في الحد الأقصى، أي بما يضمن السيطرة على مساقط المياه في مناطق جبل الشيخ وقضاء حاصبيا. وهو ما كان يرفضه الفرنسيون. هذا في الجانب السياسي، اما من ناحية الموقع الجغرافي، فالثكنة المذكورة تشرف بصورة كاملة تقريبا على منطقة إصبع الجليل في شمال فلسطين من جهة ، وعلى مرتفعات الجولان جنوبي سورية من جهة أخرى. وعليه، يمكن القول ان الفرنسيين أرادوا الثكنة بمثابة موقع حصين وإستراتيجي لتأمين سيطرتهم على الجزء الجنوبي من لبنان والجزء الجنوبي من سورية على حد سواء. وهكذا، تحدد دورها بحماية النفوذ الفرنسي في كل من لبنان وسورية من احتمالات توسع صهيونية أو بريطانية سافرة، ولحماية مؤخرة نفوذهم.
مع الاستقلال وجلاء الجيوش الأجنبية عن الأراضي اللبنانية، أخلى الفرنسيون الثكنة المذكورة، شأنها شأن الثكن التي أقاموها في طول البلد وعرضه، وتسلمها الجيش اللبناني سنة 1943، إلا ان أهمية الثكنة انخفضت في سنوات الاستقلال، نظرا إلى الموقع الطرفي الذي احتله الجنوب في سياسات الدولة اللبنانية الاقتصادية والاجتماعية العسكرية. وظل الوضع على هذا النحو حتى آذار / مارس 1978 ، عندما نفذت القوات "الإسرائيلية" اجتياحها الأول لأجزاء واسعة من الجنوب، وتعرضت بلدة الخيام لما يشبه التدمير الشامل، وخلت من مواطنيها، بل تحولت، وهي التي كان عدد سكانها ثلاثين ألفا، إلى مسرح تدريب لوحدات الجيش "الإسرائيلي" على أعمال النسف والتلغيم وحرب الشوارع. اما الثكنة، فقد تسلمتها الميليشيات المتعاملة مع "اسرائيل" ، التي قادها آنذاك الرائد سعد حداد، وعقب الاجتياح الصهيوني للبنان صيف 1982، بدأ الأهالي عودتهم إلى البلدة، التي راحت تخرج من تحت الرماد شيئا فشيئا. اما الثكنة التي وضعت الميليشيات يدها عليها، فقد باتت مركزا للتحقيق ليس إلا، نظرا إلى وجود معتقل أنصار، الذي جرى افتتاحه في 14 تموز/ يوليو 1982 ، وتم زج الألوف من اللبنانيين والفلسطينيين فيه.
وظلت الثكنة محافظة على دورها ما دام معتقل أنصار قائما، إلا ان اتساع ضربات المقاومة الوطنية اللبنانية أدى إلى تنفيذ القوات "الاسرائيلية" انسحابات اضطرارية متتابعة من بيروت والجبل وصيدا والزهراني وصور والبقاع الغربي، واكتمل عقد التراجع "الإسرائيلي" في 4 نيسان / أبريل 1985 بإقفال معتقل أنصار، وهو ما دفع القوات "الاسرائيلية" إلى تحويل ثكنة الخيام إلى بديل من أنصار في عملية الاحتجاز والأسر. وقد تم ترميم وتأهيل وتوسيع الثكنة منذ مطلع سنة 1985، وباتت اكثر استعدادا للقيام بمهمتها الجديدة بعد ان أصبحت لا تختلف عن السجون "الاسرائيلية" في قليل أو كثير.
يتألف السجن من عدة مبان تضم اكثر من 67 زنزانة جماعية واكثر من 20 زنزانة افرادية، وجميع الزنازين مرقمة بالأرقام العادية، وهي تختلف طولا وعرضا وارتفاعا تبعا للمهمة المناطة بها. فالزنازين الجماعية لا تتعدى المترين أو الثلاثة أمتار طولا وعرضا، وبارتفاع مترين لا اكثر. وهي تطل على ممر تشغل الجانب الآخر منه زنازين أخرى في القسم ذاته، إلا ان هذا لا يعني ان هناك إمكانية لرؤية السجناء الآخرين في الغرف الملاصقة أو المقابلة، إذ ان الفتحة الموجودة في أعلى الغرفة لا تسمح بأكثر من مرور الصوت، ولهذا محاذيره في طل حركة المراقبة الدائمة والحراسة المستمرة . وفي مساحة لا تتعدى مترين أو ثلاثة أمتار، يتم حشر نحو عشرة معتقلين (لا ينقص العدد عن 7 في أية حال من الأحوال) . وتتحدد الأعداد لإشغال الزنازين الجماعية تبعا لكثافة حملات الاعتقال. اما الزنازين الانفرادية فهي متباينة المساحة أيضا، إذ تتراوح بين 50 سم ، بارتفاع لا يصل إلى المتر الواحد، أو 90 سم في احسن الأحوال.
وفي هذه المساحة الضيقة يمضي بعض السجناء اشهرا طويلة من دون رؤية ضوء الشمس، ويقضون حاجاتهم في أماكنهم (الزنازين الافرادية) ، أو في سطول موضوعة داخل الغرف.
هذا من حيث البناء، أما من حيث الجهاز البشري المشرف على السجن ، فهو عبارة عن رتب عسكرية عليا "إسرائيلية" في مقابل الأغلبية تنتمي إلى الميليشيات العميلة "لإسرائيل" وقد أشرفت الاستخبارات "الاسرائيلية" على معتقل الخيام منذ أقامته في أوائل سنة 1985 ، واستمرت في توليها المسؤولية عنه إلى أواخر سنة 1988 ، عندما نقلت هذه المهمة إلى جهاز الأمن القومي "الإسرائيلي" الموساد وغالبا ما يكون المسؤول الأول عن السجن برتبة عقيد، يعاونه فريق من المحققين من رتب مختلفة، اما الجهاز الآخر ، فيتولاه عدد من مسئولي ما يسمى جيش لبنان الجنوبي العميل "لإسرائيل" ، بمشاركة من عناصر الأمن المحلية في القرى، ويقوم فريق من المحققين، ينحدرون في أغلبيتهم من المؤسسة العسكرية النظامية ، بهذه المهمة، إضافة إلى عمليات التعذيب التي يمارسها الحرس والجنود المولجون بالعمل في المعتقل. ويستعمل معظم المحققين والمشرفين على السجن أسماء حركية. إلا ان الكثيرين منهم معروفون بالأسماء.
ويرتبط معتقل الخيام بشبكة من مراكز التحقيق الأولى والاعتقال القصير الأمد في المنطقة الحدودية، وأبرزها : ثكنة مرجعيون، مقر قيادة الميليشيات في الطيبة )قرب المشروع( ، ثكنة حولا ، ثكنة البيطار، معتقل الـ 17 في بنت جبيل ، مركز القليعة، وهو قريب من مستشفى مرجعيون، وسواها...
شهادات عن التعذيب
يقول سعيد الأخرس ، الذي أمضى عشر أعوام في سجن الخيام، انه احضر في الصباح الباكر إلى الثكنة، بعد ان اعتقل في منزله، ونقل في صندوق سيارة. ولدى الوصول إلى السجن اخرج من صندوق السيارة وغطي رأسه بكيس من الخيش تنبعث منه رائحة كريهة، وهناك تم إيقافي إلى الحائط، في هذا الوقت كانت عملية تسليم وتسلم تتم بين عناصر المخابرات المحلية التي ألقت القبض علي وبين مسئولي السجن، اما حراس السجن الذين لم يحتملوا هذا الانتظار، فكانوا يضربونني ريثما تنتهي الإجراءات... بدأت عملية التحقيق لحظة انتهاء الإجراءات، وكانت مقرونة بالضرب والتهديد . كانت الأسئلة التي توجه إلي منوعة، تبدأ بتاريخ الميلاد، والنشأة ، والدراسة، والأقارب والأصدقاء، والوضع الصحي، والانتماء.. وكانت الأجوبة التي لا تعجب المحققين يرد عليها بالضرب والمطالبة بأجوبة اكثر وضوحا.. تتوسع الأسئلة عن الجوانب الشخصية إلى المحيط والمعارف في القرى المجاورة.. ويتم هنا إشعار المتهم بأنه عالق مع أهم جهاز استخبارات في العالم، وبأن المعلومات التفصيلية والدقيقة عن المعتقل هي في حيازة هذا الجهاز، الذي لا يتوخى من طرح الأسئلة والإلحاح عليها سوى تثبيتها بواسطة الاعتراف.. هذه الجولة الأولى من التحقيق مجرد بداية، اذ يتم إخراج المتهم من غرفة التحقيق وتسليمه إلى عناصر الشرطة، وهؤلاء من المتخصصين بعمليات الضرب. يمضي المتهم وقته واقفا أو راكعا، أو يلقى به على الأرض والقفز عليه مع الركل والضرب.. تستغرق هذه العملية بعض الوقت، وعندما يشعر هؤلاء بان المتهم أنهك، يتم إدخاله إلى المحقق ثانية.. يعتمد التعامل في هذه المرحلة على طبيعة الأجوبة، فإذا كان المتهم أدرك الدرس الذي شهد فصوله، يجري التعامل معه بهدوء في مقابل المعلومات التي يدلي بها. هنا تعتمد عملية الترهيب والترغيب، فالاعتراف ثمنه الرجوع إلى الأهل، وقبله وقف الضرب والركل و.. تترك فرصة للمتهم المتردد للتفكير والقول، وعلى ان تأتي وتعترف عن الرفاق والأصدقاء وتدلي بما لديك من معلومات.. أما الرفض ، فيرد عليه برفع وتيرة التعذيب.. فإذا رد المتهم بان لا شيء لديه ليقوله، يتم اعتماد المرحلة الثانية، وبدايتها تعليقه على عمود كهرباء وسط المعتقل.. وتختلف وضعية التعليق ومدته تبعا لطبيعة التهمة وخطورة المعتقل. اما عن وضعية التعليق، فتتم باليدين الاثنتين إلى الأعلى، أو بيد واحدة، أو بالرجل، والرأس إلى الأسفل.. كل هذا وسط الضرب المتقطع والتعرض للطقس البارد أو الحار، ومن دون طعام أو شراب أو الحد الأدنى منهما، الذي يبقى المتهم على قيد الحياة لا اكثر..
اما توفيق منصور ، الذي أمضى في المعتقل خمسة أعوام تقريبا، فيصف التحقيق الذي تعرض له على النحو التالي: تعرضت للتحقيق لمدة لا تقل عن 15 ساعة ، ضربت خلالها بعصا غليظة، لم تترك مكانا من جسمي إلا أصابته. وقد تركز الضرب على ظهري، مما تسبب في كسر ثلاث فقرات من عمودي الفقري. كانوا يحاولون تأكيد علاقتي بالمقاومة، وقد أخبرتهم أنني مجرد نقابي أتابع قضايا المزارعين، إلا ان هذا لم يقنع المحقق الذي رأى في بيان وزعناه في آذار/مارس 1989 ، ونطالب فيه بزيادة أسعار التبغ للفلاحين دليلا على ارتباطي بالمقاومة. وقد أمضى منصور ثمانية اشهر في حبس المشاغبين، وهو عبارة عن غرفة رطبة ومعتمة لا تدخلها أشعة الشمس بتاتا.
واقتاد الجنود طاهر نصر الله في 7 نيسان/أبريل 1992 من مدرسة كفركلا الرسمية، ومن الصف الذي يتولى تدريسه، وعندما وصلت بدأوا بضربي بالعصا، وعلقوني على العمود، ووضعوا أسلاكا كهربائية في أصابعي ثم صبوا علي الماء البارد حيث بقيت أربعة أيام وثيابي مبللة بالماء، ومن شدة الضرب والتيار الكهربائي انتشرت بقع سوداء في أجزاء جسمي وأصبت بغثيان دائم بسبب طبيعة الطعام، كما أصبت بفقر حاد في الدم، وأصبحت عاجزا عن الوقوف، ثم تدهور وضعي الصحي اكثر فنقلت إلى مستشفى مرجعيون، وقد أعطوني هناك وحدتي دم سحبوها من زملائي المعتقلين، إلا ان وضعي لم يتحسن كثيرا، فافرجوا عني بعد ان أصبت بالتهاب حاد في جهاز التنفس، وذهبت مباشرة إلى مستشفى حمود في صيدا، ثم إلى مستشفى بحنس المتخصص بالأمراض الصدرية، ومع أنى أتلقى علاجي منذ عام تقريبا، فإني لا أزال أعاني من جراء اعتقال قارب العامين.
هذه النماذج الثلاثة، التي تضم مواطنا ونقابيا ومدرسا، تستتبع نماذج أخرى ككميل ضاهر، كان تلميذا في المرحلة المتوسطة عندما اعتقل في 4 تشرين الأول/أكتوبر 1989. ويقول عن وقائع التحقيق معه: تركوني أولا قرب حائط المعتقل حتى ساعة متأخرة من الليل . جاء أحد الحراس وامرني بالركوع على الأرض. وعندما فعلت اخذ يضربني لمدة ثلاث ساعات متواصلة، أغمي علي ، عندها، سحبني من رجلي كما اخبرني رفاقي، وأمر زملاءه بتعليقي على العمود، واخذ يصب الماء علي، ما ء بارد ثم ماء ساخن.. بعد هذا التعذيب نقلوني إلى زنزانة افرادية لا يدخلها الضوء لمدة أسبوع، ثم أعادوني منها للمرحلة الثانية من التحقيق أو التعذيب: لفوا سلكا معدنيا على أصابعي، وأمروني بالركوع، وصبوا الماء البارد على جسمي، ثم وصلوا التيار الكهربائي.. بعد الصدمة هذه نقلوا السلك إلى فمي وعضوي الجنسي.. ضربوني أيضا بالعصا على جميع أجزاء جسمي من دون استثناء بما في ذلك رأسي، وأخذت أعاني نوبات عصبية، ولم اعد أرى بوضوح. عندما خرجت من السجن في الشهر الأخير من سنة 1991 حاولت متابعة الدروس، إلا أنى فشلت بسبب الاهتراء الذي أصاب شبكية عيني، ولم اعد أستطيع قراءة ما يكتب على اللوح، ولا احتمل مشاهدة ضوء الكهرباء.. قال الطبيب أنى مهدد بالعمى كليا، ومعدل الرؤية الآن لا يتعدى العشرة في المائة.
علي فواز مقاوم اسر في 31 أيار/مايو 1987 ، وافرج عنه في 21تشرين /أكتوبر 1991، يقول: قلت للجندي "الإسرائيلي" أنى جريح، وكانت قدمي اليسرى، حيث استقرت الرصاصة، تنزف.. امسك بيديه رجلي المصابة واخذ يجذبها لإيلامي.. كنت اصرخ من الوجع.. تقدم جنود آخرون مني وأشبعوني ضربا.. قال لي أحدهم أنت ممسحة للأحذية، ووقف على صدري وراح يفركه بحذائه العسكري ، وداس على وجهي فشج شفتي السفلى.. أدخلوني إلى المستشفى، ثم أخرجوني منه إلى سجن الجلمة في منطقة حيفا قبل ان تبرأ جروحي، وطوال إقامتي في المستشفى لم ينظفوا لي الجروح، ولم استحم، مما سبب لي التهابات وروائح كريهة وتقيؤ دائم. تنقلت بين سجن الرملة والمستشفى الملحق به وسجن شطة ومستشفى العفولة.
رباح شحرور.. في أثناء وجودي في السجن، وبعد ان أخذوني من الصف الثاني المتوسط الذي ادرس فيه، اعتقلوا والدتي البالغة من العمر 55 عاما وشقيقتي ناديا وجميلة، كما اعتقلوا ابنة خالتي وعشرات البنات من البلدة.. يومها كنت المعتقل الأصغر في السجن ، اذ لم يكن عمري يتعدى الـ 11 سنة.. عندما افرجوا عني أبعدوني وعائلتي عن القرية والمنطقة.. بعد خمسة اشهر افرجوا عن شقيقتي وابعدوهما أيضا.
مأمون ياسين :اختطفوني من المنزل.. توقفوا على مسافة قريبة من المنزل ، وقالوا لي انظر إلى بيتك للمرة الأخيرة، لأنه لن يبقى على وجه الأرض.. نزعوا العصابة عن عيني وشاهدت النار ودوي الانفجار. أمضيت في السجن فترة 35 يوما، وأنا اعتقد ان عائلتي أبيدت تحت الأنقاض، لكن عندما خرجت علمت بان طفلتي استشهدت، فقد قتلوها بمسدس مزود بكاتم للصوت ليلة اختطافي، كما تسببوا ببتر ساق طفلتي الأخرى.
.. ولا يختلف وضع الأسيرات عن وضع رفاقهن. تقول جميلة شحرور: اعتقلوني في حقل قريب من البلدة، قيدوا يدي، وبعد ان أدخلوني إلى السجن اقتادوني إلى غرفة المحقق الذي سألني عن شقيقي . أكدت أنى لا اعرف عنه شيئا، فكرر السؤال وكررت النفي. بدأ يعاملني بشدة وقسوة، واستعمل الضرب والشد بالشعر ورماني على الأرض، عاد الي يضربني، ثم تركني فترة رجع بعدها يوجه إلي الأسئلة نفسها، فلم اجبه ، ضاعف من استخدام العنف، ثم نادى على الحراس فالقوني في زنزانة انفرادية لمدة خمسة أيام، كنت خلالها لا اخرج إلا إلى المحقق، حيث أخضعت لتحقيقات قاسية جدا، مقرونة بجميع وسائل الضغط والإكراه.. ولما لم اجب أعادوني إلى الزنزانة، ثم إلى التحقيق، وهكذا حتى وضعوني في سجن النساء، حيث أمضيت في المعتقل، إجمالا الفترة الممتدة بين 26 نيسان / أبريل 1989 و 2 تشرين الثاني / نوفمبر 1989.
أما أحلام عواضة فتقول تتراوح أعمار الأسيرات في الخيام بين 14 سنة و 65 سنة، كالأسيرتين المحررتين مريم زراقط ورقية شرف الدين. اما خديجة الأسمر فعمرها سبعون سنة. بعض الأسيرات ادخلن المعتقل وهن حوامل، كالأسيرتين لينا مصطفى وأمينة عكاشة. والعديدات من الأسيرات اعتقلن مع أزواجهن، كالأسيرة المحررة سحر زعيتر، التي ما زالت وزوجها في المعتقل.. نجاح عليق اعتقلت مع أمها البالغة من العمر 65 سنة، كما اعتقل والدها، وهو في عمر مماثل، كما اعتقل العدو في منزل واحد ثلاث شقيقات هن نزهة وفاطمة ومنى شرف الدين، وأخاهم الصغير هادي، الذي كان عمره 4 سنوات .. مدد الاعتقال، تضيف عواضة ، للسجينات تراوحت بين شهر وسبع سنوات، واعتمدت معنا خلال التحقيق الأساليب ذاتها التي اعتمدت مع الشبان، كالضرب بالكرباج ، والتركيع، والتعليق، والتعذيب بالكهرباء، وتمزيق الثياب، وسكب الماء، والاحتجاز في زنازين افرادية.
بالإضافة إلى التعذيب الجسدي، يخضع المعتقلون لتعذيب نفسي يجمع الأسرى المحررون على انه لا يقل وطأة عن التعذيب الجسدي.
وفيات و أمراض دائمة
هذا المزيج المركب من التعذيب الجسدي والنفسي فعل في الأسرى فعله. اذ بلغت الوفيات حتى حزيران / يونيو 1995 بناء على معلومات لجنة المتابعة، 14 سجينا، وكان آخر هؤلاء الأسير هيثم دباجة، الذي توفي داخل زنزانته مطلع العام (1996) . ويروي الأسير سعيد الأخرس الواقعة على النحو التالي :
ساءت حالته الصحية، وبدأ رفاقه الصراخ ومناداة الحراس لنقله إلى مستشفى مرجعيون، وضجت الزنازين مطالبة بإسعافه، من دون ان يتحرك أحد، حتى توفي. ومن الشهداء الذين قضوا في المعتقل أيضا عبد الله غملوش (شقرا) ، زكريا نظر وعلي حمزة (الجميجمة) ، لبيب أبو غيدا(حاصبيا) حسين علي محمود (حولا) الحاج احمد ترمس (طلوسة ... توفي نتيجة نوبة قلبية وله من العمر 65 سنة) ، اسعد بزي (بنت جبيل ، أصيب بمرض السرطان، ولم يطلق لتلقي العلاج)، بلال السلمان وإبراهيم أبو عزة (استشهدا في انتفاضة المعتقلين في 25 تشرين الثاني / نوفمبر1989 ، وقد ترك الأخير ينزف من دون مساعدة أو من دون ان ينقل إلى المستشفى ، إلى ان توفي أمام رفاقه) ، شوقي خنافر، ابراهيم فرحات، كما توفي آخرون في مراكز التحقيق قبل ان يصلوا إلى المعتقل، مثل يوسف سعد، وصالح غرغر، وهناك من اعتقل ولم تظهر له آثار في الخيام أو في سواه من المعتقلات.
بيد ان هذه الوفيات لا تختصر معاناة السجناء، وحتى المحررين منهم، ومهما بلغت قدرة أجسادهم على الاحتمال وطاقة صمودهم المعنوية، يظلون يحملون آثارا لا تمحى من جراء التعذيب. . ولعل من الصعوبة بمكان حصر النتائج الصحية التي يعانيها المعتقلون الذين ما زالوا في السجون، إلا ان الذين أطلقوا يعانون جملة اشتراكات ، وأمراضا ثابتة بمعاينات الأطباء اللبنانيين الذي يتابعون قضاياهم:
انحلال الأعصاب، فقر الدم، نقص العناصر الأساسية في الجسم، التهابات صدرية، تبقع في الجسم من جراء التعذيب ، كسور في العمود الفقري والأضلاع والأطراف، ترك الجروح من دون تنظيف مما يؤدي إلى التهابات وروائح، اهتراء في شبكيات العيون تؤدي إلى فقدان البصر لاحقا، نوبات عصبية، ثقوب في طبلتي الأذن، أمراض روماتيزم، تورم، فقدان الذاكرة، السل ، السرطان الرئوي، القرحة وأمراض الجهاز الهضمي، التهابات الجهاز البولي، الديسك، الهلوسة، الربو وأمراض جهاز التنفس، الشلل النصفي، ارتجاجات في الدماغ، الأمراض الجلدية بمختلف أنواعها (جرب..) ، انتشار القمل الخ...
الا ان هناك ما هو اكثر من هذه القائمة ، ومن المؤكد ان عمليات الإفراج عن المعتقلين تعود في جانب منها إلى اعتقاد المحققين "الإسرائيليين " ان المعتقلين باتت حالتهم الصحية سيئة، ولا ضرورة لاستبقائهم في المعتقل ، باعتبار ان وفاتهم داخله يمكن ان تؤدي إلى حملات التضامن والإدانة "لإسرائيل" والميليشيات تقوم بها المنظمات والهيئات الحقوقية والصحية والإنسانية المحلية والعالمية.
مواضيع أخرى حول معتقل الخيام
قناة الجزيرة: سجن الخيام
مقدم الحلقة: عباس أرناؤوط
تاريخ الحلقة: 05/07/2001
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/0D5E2B2E-9480-4BE6-842E-1FC9A5C413A7.htm
- معتقل الخيام.. الجحيم فالجفاف فالنعيم - شهداء المعتقل وكيف استشهدوا - سقوط معتقل الخيام وهروب الصهاينة
موقع دنيا العرب:
http://www.diwanalarab.com/article.php3?id_article=298
مذكرات المناضلة سهى بشارة المحررة من سجن الخيام في جنوب لبنان
الحلقة العاشرة - معتقل الخيام الاحد ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٣
موقع المقاومة:
http://www.moqawama.org/_hostages.php?filename=20050417134851