ليلى عماشا
نالت صحيفة "النّهار" اللبنانية، جائزة استحسان "هآرتس" عن جدارة وكفاءة.. كيف لا، والجريدة المرموقة سابقًا تخلّت عن مهنيّتها وباعت "عراقتها" اليوم بحفنة من الدنانير، إلى أمراء وملوك الخليج، وصارت صفحاتها مشابهة لوعاظ السلاطين في سوق عكاظ الدول الغارقة في بحور التطبيع العربي مع "إسرائيل".
تمويل "النهار" المشبوه وكتّابها المجبولون بعداء المقاومة، يفضحون الكثير، فما تنشره الصحيفة ليس بريئًا ولا يمكن أخذه بحسن الظن، ولا يعد سقطات مهنية بل يندرج في سياق مشروع تآمري تجنّدت الصحيفة في صفوفه عبر التخصص بنشر الأكاذيب المفبركة التي تخدم سردية العدو، واختلاق الذرائع له، وتبرير إجرامه.
من حيث تدري أو لا تدري، تسعى "النهار" لتحقيق أهداف العدو التي عجز عن تحقيقها بالعسكر، فتضخم أخباراً وتوظف أحداثاً في سياقات معينة، وتبثّ كلّ ما يثير الفتنة والتفرقة وحتى ما يساهم بإشعال فتيل حرب أهلية، وبدل أن تكون الصحيفة ناطقة بلسان اللبنانيين المدنيين، تعكس صورة الإجرام والوحشية التي يتعرضون لها، وتظهر الوجه الحقيقي للكيان الإرهابي، أنجرت لخدمة أجندة عوكر التي هابها مشهد الاحتضان الوطني للنازحين وأهل المقاومة، فأفنت حبرها ومفرداتها في التحريض وتأليب البيئات المستضيفة للنازحين على المقاومة وأهلها، دون أن تبدي أقلّه احترامًا للدم الذي ما زال على الأرض، وللنازحين الذين التجؤوا من تحت النار لإخوانهم في الوطن والإنسانية.
هذا المسار التحريري المعتمد في الصحيفة أضحى وصمة عار سوداء في السجل الصحافي اللبناني مذ تبرّعت لتكون أداة في المنظومة الإعلامية العوكرية شغلها الشاغل ليس التحريض على المقاومة وتغريبها لعزلها، فحسب بل على كل ما يرتبط بها من مؤسسات وبيئات وتحالفات.
وضبطت "النهار" مرارًا وتكرارًا بالجرم المشهود، ما أسقط كليًا احتمالية الخطأ غير المتعمّد، خصوصًا أن كتابها والقيمين عليها من أبناء الكار، وليسوا طارئين لا يعلمون سر المهنة، ليثبت بالدليل القاطع أنها متورطة في قباحة أخلاقية وإنسانية، ترتدي ثوب الصحافة، ففيما كان اللبنانيون ينتظرون منها أن تتخذ موقفًا وطنيًا مشرفًا تستنفر من خلال كتابها وصفحاتها لمساعدتهم والوقوف إلى جانبهم، فوجئوا بأن الصحيفة أفردت صفحات يومية لتخويف البيئات التي تستضيفهم منهم وتصويرهم بأنهم يشكلون خطرًا وتهديدًا على المناطق التي حلوا فيها، فتتهمهم
تارة بشكل مبطّن بوضع رسالة تهديد على جدار كنيسة في قضاء زغرتا، بدون أن تنتظر انتهاء التحقيقات التي قد تكشف أنّ فاعلًا ما، من غير النازحين، قد وضعها لبثّ الرّعب وإشعال فتيل فتنة، أو حتى مجرّد حركة صبيانية!.. وطورًا تنشر أنّ النازحين في قضاء الشوف يشترون ما أسمته بالثياب "الدرزية" لإخفاء السلاح تحتها حين ارتدائها. ثم تعود فتدّعي أنّهم يدخلون البيوت عنوة ويستقرّون فيها، وتصنّفهم في مقال آخر كدروع بشرية يستخدمها حزب الله، ما يشكّل إعطاء ذريعة لاستهدافهم!.. وتذهب أبعد من ذلك، فتصرّ "النهار" على السياق التحريضي نفسه من خلال مقالات صحفية مطوّلة تتوخّى ترهيب الناس، كل الناس، من حزب الله، وبدلًا من إدانة المعتدي تنحو الصحيفة باتجاه تحميل الحزب مسؤولية الاعتداءات "الإسرائيلية" التي تطال الأتوستراد الذي يربط البقاع بالعاصمة بيروت، زاعمة أن الحزب يصر على اعتماده كطريق إمداد رئيسي لنقل الأسلحة، ما يعد تهديدًا ليس لسكان المنطقة أو سالكيها المنتقلين إنما أيضاً النازحين وأهالي المقاومين الذين يتخذون من الجبل مقراً مؤقتاً بعد ابتعادهم القسري عن بيوتهم.. لم يجف حبر المقال المنشور في الصحيفة أمس حتى كانت الاعتداءات الصهيونية الآثمة تتوالى على السيارات في الكحالة وعاريا.
استفاضت "النهار" اللبنانية بالحديث عن "حرب أهلية وشيكة في لبنان" بسبب أزمة النزوح نقلًا عن وزير الجيوش الفرنسية "سيباستيان لوكورنو"، لتؤازرها في "مهمتها الشاقة" ماكنة إعلامية خليجية مدموغة ومصبوغة بالتحريض على المقاومة، والنازحين، تشتهر منها قناة "العربية" وصحيفة "الشرق الأوسط" اللتان ما فتئتا تصوبان بشكل يومي على النازحين وتحصيان أعدادهم وتتحننان على خسائرهم، والأدهى ترويج "العربية" المعروفة بعدائها للمقاومة مزاعم مفادها أنّ النازحين يعمدون إلى وضع اليد على الأبنية غير المأهولة، لتوحي بأنّهم يعتدون على أملاك الآخرين، وتناقش في ما تسمّيه "فتنة النّزوح"!.
تتلاقى "الأنباء الكويتية" مع "النهار" وزميلاتها في صناعة الرعب من النازحين، بالحديث عن تحذيرات «جبلية» من بيع الممتلكات، وعن هواجس لم يثبت وجودها تتعلق بشراء النازحين لبعض العقارات في بلدهم!!. بكلام آخر، تحاول "الأنباء" تصوير المشهد كأنّه لا يحقّ للنازح أن يشتري عقارًا وأنّه إن فعل ففي الأمر شبهة. وتذهب إلى حدّ اعتبار المسألة، على ضيقها ومحدوديتها إن وجدت، تشكّل خطرًا أهليًّا.
هذه الشذرات من التحريض الإعلامي على النازحين تدين مرتكبيها بأقبح جرم ممكن: تصوّر العائلات التي تبحث عن الحقّ الطبيعي بالأمان واجتناب العدوان الوحشي الصهيوني وكأنّها خارجة عن القانون، تدفع باتجاه استهدافهم وتخترع له ذرائع من جهة، ومن جهة أخرى تحاول الدفع بالمضيفين إلى التضييق عليهم. أضف إلى إصرارها على إدانة المقاومة وبالتالي تبرئة الصهاينة من دمنا!. وبذلك، لا ينتهك هذا الإعلام فقط قواعد المهنية والموضوعية، بل يتجاوز ذلك إلى انتهاك حقوق الإنسان التي يدّعي حرصًا عليها، وإلى التعدّي الفاضح على الحدّ الأدنى من الأخلاق! وإن قمنا بوضع كلّ هذا السقوط في سياقه، سنرى أنّ ما فشل الإعلام المتصهين في تحقيقه في أيّام السلم، يسعى إلى فرضه بالترهيب وبالتخويف، تحت النار لذا لا يسعنا في الختام الا أن نبارك لـ"النهار" جائزة استحسان "هآرتس" !.