شارل أبي نادر
هي معركة أو واقعة أو مواجهة محدودة في الزمان والمكان، من مسلسل طويل من الكر والفر، بين عدو غاصب غادر جبان، وبين مقاومة باسلة صامدة قوية محتسبة.
لقد أخطأ العدو عندما ظن أنه بعملية إرهابية دنيئة، فخخ فيها بضعة آلاف من أجهزة النداء " البيجر" وأجهزة اتصال أخرى، بعد أن خطط لها عشرات السنوات، ووضع في سبيل اكتمال عناصر نجاحها جهودًا كبيرة وأموالاً ضخمة، وسخّر في سبيل أن تتحقق كما أرادها - صادمة وفاصلة - نسبة كبيرة من نفوذه ومن قدرات موساده ومخابراته وعلاقاته الديبلوماسية والسياسية، سوف يجعل المقاومة تستسلم أو تنسحب من المواجهة المقدسة التي أرادتها عقيدة والتزاماً وعهداً، حتى إزالة احتلاله للأرض والمقدسات.
أيضًا، لقد أخطأ مرة أخرى هذا العدو عندما رأى أنه في تخطّيه كل المواثيق الإنسانية والقوانين الدولية، من خلال استهدافه ثلة من قادة وكوادر العمليات الخاصة في المقاومة، وفي مجمع سكني مكتظ بمدنيين آمنين، جلهم من الأطفال والنساء وكبار السن، سوف يجعل المقاومة تنكسر وتتراجع، بعد أن تعجز عن إيجاد بديل لهؤلاء القادة الشهداء، لإكمال مسيرة رعاية وإدارة وقيادة مهمات وحدات العمليات الخاصة في حزب الله.
أيضًا، لقد أخطأ العدو "الإسرائيلي" مرة أخرى، عندما ظن أنه عبر استهدافه بمروحة واسعة من الأحزمة النارية العنيفة، وبصواريخ ارتجاجية مدمرة وقنابل شديدة التدمير، من قاذفات الجيل الخامس F35 الأكثر تطورًا في العالم، سوف يعزل أو يحيد قواعد إطلاق صواريخ المقاومة ومسيّراتها، ويمنعها من استهداف كل قواعده العسكرية في شمال فلسطين المحتلة.
أيضًا، أخطأ العدو خطأه الأكبر في هذه المواجهة، عندما ظن أن إضافة بند إعادة مهجري شمال فلسطين المحتلة وقاطني المستوطنات الحدودية مع لبنان على أهداف حربه العدوانية، كافٍ لإنهاء هذه المعضلة التي أصبحت تهدد مفهوم نشأة الكيان بالأساس، بعدما فَرِغ شمال الأخير من أغلب سكانه، بسبب أعمال وضغوط حزب الله العسكرية إسنادًا لغزة وللشعب الفلسطيني.
نعم، لقد أخطأ العدو في ذلك كله، ولم يتأخر كثيرًا في معرفة هذه الأخطاء القاتلة عندما اكتشفت الآتي:
- لم تتأثر بتاتًا قدرة حزب الله في إكمال معركة إسناد غزة، من جراء عملية التفجير الإلكتروني الإرهابية لأجهزة النداء والاتصال، وبقيت منظومة القيادة والسيطرة لديه فاعلة وناشطة ومنتجة، تماماً بالقدر الكافي لمتابعة مناوراته الصاروخية والمسيّرة، ولمتابعة مناورة إمساكه بجبهة جنوب لبنان ضد وحدات العدو، وبقي مسيطرًا وبنمط أعلى من المستوى الذي أدار فيه المواجهة الحدودية مع هذا العدو، كما أطلقها منذ الثامن من بداية معركة طوفان الأقصى.
- لم تتأخر قيادة حزب الله بتاتًا في إيجاد وتعيين أبدالٍ عن الشهداء من قادة وكوادر وحدات العمليات الخاصة لديها، والمشكلة الوحيدة لديها في ذلك، كانت فقط في صعوبة الاختيار بين المئات من أصحاب الكفاءة والقدرة الجاهزين والمناسبين لتحمّل هذه المسؤولية المُشّرِفة، لتجد نفسها هذه الوحدات الخاصة وبلمح البصر، بإمرة قادة أكفّاء من رفاق الدرب والسلاح، وجاهزة لتنفيذ أي مهمة مهما كانت، وفي مقدمتها الدخول إلى الجليل - لو طلبت قيادتها ذلك منها.
أيضًا، اكتشف العدو وبالنار وبالدمار، أن مستوى الاستهداف الصاروخي والمسير لدى حزب الله، ارتفع درجات أعلى وأعلى، بالمسافة وبالعمق وبالقدرة التدميرية، وبعد أن كانت كل مواقعه الحدودية أو المتداخلة في عمق شمال الكيان لحدود العشرين كلم تقريبًا، مُسيطراً عليها بقدرات حزب الله، أصبحت قواعده الجوية الأساسية مثل "رامات ديفيد" ومصانع أسلحته وتجهيزاتها الإلكترونية مثل "رافاييل" وعلى مسافات وصلت إلى حدود الـ 50 كلم، مسيطرًا عليها وتحت نار صواريخ المقاومة التدميرية الدقيقة من أنواع فادي 1 وفادي 2.
وأخيرًا، اكتشف العدو أن الهدف الذي أضافه إلى أهداف حربه، بإعادة مهجري المستوطنات الحدودية مع لبنان إلى بيوتهم وأراضيهم قد تبخر واندثر، بعد أن توسعت مروحة المستوطنات المهجرة أكثر من 50 كلم عن الحدود مع لبنان، وفي الوقت الذي كان يعمل فيه لإخراج بضعة مئات الآلاف من مستوطنيه من الملاجىء، أصبح عليه أن يؤمن الملاجىء للملايين من هؤلاء.