مصطفى خازم
هكذا هي القلوب الوالهة. تحنّ إلى بعضها ولا تطيق صبرًا. يا سيّد محسن كم كنّا في شوق إلى لُقياك، لكان محمد علي حاز قصب السبق، مجاهدًا، فأسيرًا جريحًا، فمُحررًا مع وسام المرض، فمقاومًا، ثمّ شهيدًا ورفيق سفر ملكوتي.
خمسة عشر عامًا قضاها في الأسر ما فتت من عضده، ولا لانت عزيمته. نعيته يومها شهيدًا مفقود الأثر، ثم ظهر في عديد الأسرى، فكان القرار استعادته وإخوانه بعملية تبادل خططتَ لها، وإعلان سيدنا أنه لن يبقى قيدًا في زند أسمر.
وكعادتك، مثال جدك الأكبر كانت الأُسود تلوذ بك في الوغى وكنت عند البوابة في شبعا تضع آخر لمساتك في عملية الأسر الشهيرة بعملية "صوفا"، وتفجّرها لتفتح للأسرى باب العودة مرحّبًا، وللجثامين المدفونة في "عميعاد" مسيّرًا قوافل نور ونصر شعت على بلدان العالم العربي الذي ما تعود إلّا الهزيمة.
"عميعاد" يا سيّد باتت هدفًا يوميًا تزوره بصواريخك ومُسيّراتك وتدك حصونها. "ظنوا أنها مانعتهم حصونهم"... فجئتهم من حيث لم يحتسبوا. كيف لا وأنت ابن من لا ينام على ضيم، جعلوها مثوى لشهدائنا، فحوّلتها مقبرة لهم.
يا سيّد، قالها محمد علي البرزاوي يومًا للجلاد: "أنت محتل ومعتدٍ وظالم وأنا أدافع عن أرضي".
يا سيّد، عاد محمد علي حرًا مجددًا وطار شوقًا إليك بعد معاناة الأسر والمرض.
محمد علي أحد فوارس عملية "تومات نيحا" البطولية أسره العملاء اللحديون جريحًا حد الشهادة في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر 1987، وفي حالة إعياء شديد، يومها زفّته المقاومة شهيدًا مفقود الأثر.
علِم الصهاينة أنه من عديد المقاومة الإسلامية، فكان مشواره مباشرة إلى أرض فلسطين، وعلى طريق القدس. لكن خابت أمانيهم، فالأسد الجريح لا يقبل الطعن ولا الخيانة، ولا يقرّ إقرار العبيد، فكان أعلى حكم بالسجن.
يوم عاد محررًا، قال: "يا أبناء المقاومة، يا أبناء بعلبك والبقاع وكل الوطن، أحمدُ ربّي أنني عدتُ إليكم بشرفي وعزتي، عودة عزيزة برغم أنف العدو".
يا سيّد فؤاد، أيها المحرر قد أتاكَ فتاك، فنعمَ الملتقى ونعمَ الجوار.
هذا تاريخ مقاومتنا وحكايتها التي كلنا ثقة أنها لم ولن تترك قيدًا في زند أسمر، ولم ولن تترك الوطن فريسة الثعالب.