علي حيدر
يفرض تداخل العواطف وضغوط الميدان مع الاعتبارات الموضوعية التي قد تربك تقويم سياسة الاغتيالات التي ينفذها العدوّ ضدّ قادة وكوادر المقاومة الإسلامية ومقاوميها، التوقف عند بعض المفاهيم التي تشكّل مفاتيح أساسية في تقويم نتائج هذا النوع من الحروب وتداعياته. إذ كلما كبرت التضحيات ازدادت الضغوط العاطفية. وأصبحت مهمّة التعالي على الجراح أكثر إلحاحًا في التقدير والتقويم والقرار. ويشكّل استشهاد القائد الكبير في المقاومة الإسلامية محمد نعمة ناصر (الحاج أبي نعمة)، إحدى هذه المحطات التي يتجلى فيها هذا التداخل.
مما يُميِّز عمليات الاغتيال التي ينفذها جيش العدو، أن الناس تلمس نتائجها ويرسخ في وعيها الإنجاز التكتيكي الذي يسجله العدو، كونها تؤدي إلى استشهاد المقاوم المستهدف. في المقابل، قد لا تعرف الأغلبية الساحقة من الناس ولا تلمس الكثير من إنجازات المقاومة في إفشال أجهزة العدوّ وجيشه في محاولات الاغتيال التي سعى وخطط لها ولم ينجح في إخراجها إلى حيز التنفيذ.
ويعود هذا التمايز في التفاعل مع هذين النوعين إلى الطابع السرّي لإنجازات المقاومة وأيضًا كون نتائجها تندرج ضمن إنجازات منع العمل المعادي. في حين أن إنجاز العدوّ يكون من نوع الفعل المكشوف للحواس. هذا من دون إغفال أن يبقى حاضرًا لدينا الهوة الكبيرة بين القدرات التكنولوجية والعسكرية بين المقاومة وجيش العدو.
بتعبير آخر، تفرض خصوصية الإنجازات الأمنية، أن تكون أدوات ومعايير تقويمها مغايرة لكثير من النشاطات الأخرى. فالاستخبارات هي نشاط معلوماتي سري يبقى طي الكتمان بما فيها الكثير من نتائجه، على خلاف النشاطات العسكرية والسياسية.
ويترتب على هذه الحقائق أن أي عملية تقويم لمجمل هذا المسار تحتاج إلى معلومات تفصيلية كي تكون موضوعية ومطابقة للواقع، وهو أمر غير متوفر إلا في الدوائر الضيقة والخاصة. ولا يمكن للمقاومة التهاون في هذه الخاصية كونها سر نجاحها وحصانتها.
مع ذلك، يمكن مقاربة نتائج هذا النوع من الحروب عبر تقويم مجمل نتائجها من خلال استحضار ما لم ينجح العدوّ في استهدافه وكان على قائمة أولوياته. وفشله في تحقيق الأهداف العملياتية والسياسية والردعية والإستراتيجية من عمليات الاغتيال. ومن هنا يمكن فهم إقرار قادة العدوّ في العديد من المحطات، في سياق تقويم الجهد العملياتي للجيش، أنهم سجلوا إنجازات تكتيكية ولكنهم فشلوا حتّى الآن إستراتيجيًا. وأقروا أيضًا بنجاح حزب الله على المستوى الإستراتيجي، وفي تسجيل إنجازات تكتيكية نوعية.
أن يأتي اغتيال القائد محمد نعمة ناصر (الحاج أبي نعمة) في الشهر التاسع من الحرب، يعني أنه أتى بعد أشهر من المطاردة كونه من القادة الذين كان العدوّ يضعهم على رأس قائمة الاغتيالات الملحّة، لما له من دور محوري في العمليات التي تنفذها المقاومة الإسلامية ضدّ مواقع الجيش والمستوطنات في الجليل.
مع أن التحضير لعملية من هذا النوع قد يكون استغرق أسابيع وربما أشهر، وقد تكون مرت بمحطات متنوعة وفشلت قبل ذلك، إلا أنها أتت في سياقات ميدانية وسياسية أضفت عليها رسائل وأبعاداً إضافية تتصل بالمعادلات التي تحكم حركة الميدان، وبمؤشرات التصعيد التي تتراكم. ولذلك فإن مروحة الردود في مواجهة هذه العمليات، تتجاوز البعد العسكري، وتتصل بأهدافه السياسية والردعية التراكمية كما هي حال الردود في حالات الحرب.
وتبقى حقيقة أن ما يطمح إليه العدوّ من وراء ضرباته، في ردع المقاومة عن خياراتها الإستراتيجية، لن يطول الوقت حتّى يكتشف أنها لم تكن سوى أوهام. وسيصطدم بالواقع الذي يفرض عليه أن ينكفئ مهزومًا ومضطرًا إلى الإقرار بالوقائع لكن بعدما يكون استنفذ خياراته ورهاناته.