جمال واكيم
في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2024، شنّت المقاومة الفلسطينية هجومًا غير مسبوق، في تاريخ الصراع مع كيان العدو الإسرائيلي على المستوطنات والقواعد الصهيونية في غلاف قطاع غزّة. وفي نتيجة الهجوم تمكّن المقاومون من قتل مئات المستوطنين والجنود وأسر مئات آخرين.
لقد شكّل هذا الهجوم فرصة لإحياء القضية الفلسطينية ونسف كلّ محاولات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لتصفيتها بمزاعم صفقة القرن والتطبيع العربي- الإسرائيلي. وعلى الصعيد الدولي، شكّل الهجوم مقدمة لتغيير إحدى أهم الدول على الساحة العالمية لموقفها من "إسرائيل" واعتماد موقف داعم للقضية الفلسطينية.
وكان الملاحظ، في هذا الإطار، الخطاب الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عدة مناسبات، حين رأى أنّ حصار الصهاينة لغزّة يشبه إلى حد بعيد حصار ليننغراد خلال الحرب العالمية الثانية من النازيين الألمان. وهو بذلك، لم يساوِ فقط بين الصهيونية والنازية، بل إنّه ساوى أيضًا بين الشعب الفلسطيني ومظلوميته وعائلته هو، والتي كانت محاصرة في ليننغراد خلال الحرب العالمية الثانية. كذلك، أعلن الرئيس الروسي أن المسؤولية في ما وصلت إليه الأمور في الشرق الأوسط تقع على عاتق الولايات المتحدة التي أساءت إدارة ملف الصراع العربي- الإسرائيلي على مدى العقود السابقة.
لقد ترافقت مواقف الرئيس الروسي مع مواقف لمندوب روسيا في الأمم المتحدة تتبنّى مظلومية الشعب الفلسطيني، كما ترافقت مع محاولات موسكو لجمع الفصائل الفلسطينية ضمن أجندة سياسية موحدة. وهذا ما جعلها تستضيف عدة مؤتمرات للفصائل الفلسطينية في موسكو.
وقد يكون أبرز تطوّر هو في المقاربة الايديولوجية التي طرحها الفيلسوف الروسي الكسندر دوغين المقرّب من الرئيس الروسي، والذي تعتمده الطبقة السياسية الروسية الحاكمة محدّدًا للأطر النظرية لتوجهاتها السياسية. إذ تطوّر خطاب البروفيسور دوغين، خلال الأشهر العشرة الماضية، تجاه القضية الفلسطينية وطبيعة العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزّة والضفّة الغربية. ففي مقابلة مع وكالة "مهر" الإيرانية رأى البروفيسور أن الليبرالية هي في حقيقتها أيديولوجية شيطانية، وقد تبنت جريمة الإبادة التي تجري في غزّة على يد "إسرائيل" الصهيونية بغية إنشاء "إسرائيل الكبرى" في المشرق العربي. ورأى دوغين أن التطورات العالمية تتقدّم بسرعة، ويبدو أن هذه التطورات علامة على تغير توازن القوى والابتعاد عن القيم الغربية والأميركية. من جهة أخرى، استمرار الحرب في أوكرانيا وهجمات النظام الصهيوني على أراضي غزّة والتحديات العالقة في جنوب القوقاز، جعلت الأجواء الدولية قاتمة للغاية.
في مقابلة أخرى، رأى البروفيسور دوغين أن ما يجري في غزّة والشرق الأوسط ليست حربًا منفصلة بحد ذاتها، بل هي جبهة من ثلاث جبهات للحرب الكبرى بين الغرب الجماعي الليبرالي وباقي العالم. أما الجبهتان الإضافيتان فهما أوكرانيا وتايوان. ويرى دوغين أن بدء حرب كبرى في الشرق الأوسط قد تأخر عن موعده الافتراضي.
يتخّذ دوغين ممّا يجري في غزّة منطلقًا لتشكّل عالم جديد. ففي مقابلة جديدة يحدد رؤيته للنظام العالمي المقبل، وآفاق حرب غزّة، فبرأيه أن "إسرائيل" وأوكرانيا وكيلتا الهيمنة الغربية. وهو يرى أن النظام العالمي الحالي نظام انتقالي، وما يجري الآن هو تحول من عالم القطب الواحد - ظهر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفككك معسكره- إلى عالم متعدد الأقطاب. ويرى دوغين أن أعمدة العالم متعدد الأقطاب تظهر جليًا، وتتشكّل من : روسيا والصين والعالم الإسلامي والهند، وعلى الطريق إفريقيا وأميركا اللاتينية. وهو يرى أنه في الحقيقة هذه حضارات مستقلة، الأساسية منها ممثلة في مجموعة "بريكس" التي توحّد كلّ هذه الحضارات، خصوصًا بعد قمّة جوهانسبرغ 2023، وتوجيه الدعوة لانضمام السعودية وإيران ومصر وإثيوبيا التي تعزز العامل الإفريقي.
كما يرى دوغين أن الغرب يشنّ حربًا عبر وكلائه ضدّ القوى الأوراسية التي تواجه هيمنته، وهو يقوم بتزويد وكلائه بالسلاح النووي. لذلك هو يرى أن على روسيا تزويد خصوم الغرب، مثل إيران وكوبا وفنزويلا وحتّى فصائل المقاومة في الشرق الأوسط، بأسلحة نووية لتدافع بها عن نفسها في مواجهة حرب الإبادة التي يشنّها الغرب ضدّ العالم.
كل هذه المواقف توحي بتحوّل جذري ونوعي في روسيا باتجاه السياسة الدولية، وخصوصًا في الشرق الأوسط، لجهة دعم القضية الفلسطينية في مواجهة الصهيونية. وهذا يمكن البناء عليه للحصول على دعم دولي للقضية الفلسطينية يعطيها مزيدًا من القوّة في مواجهة المشروع الإمبريالي والصهيوني.