جمال واكيم
تكثر في لبنان التحليلات التي تعتقد أن الولايات المتحدة تريد حصر الصراع في غزة ولا تريد له أن يمتد الى لبنان، وأنها هي التي تمارس الضغوط على كيان العدو الإسرائيلي حتى لا يشن حربًا شاملة ضد لبنان، في ظل إعلان رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أن الولايات المتحدة تحجب بعض الأسلحة والذخائر عن قواته، مما أثار توترًا بين المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين.
هذه التحليلات التي تحولت إلى قناعة راسخة لدى جمهور كبير من اللبنانيين خالفتها الأنباء الواردة من الولايات المتحدة، والتي تفيد أن إدارة الرئيس الأميركي جون بايدن قد أبلغت وفدًا إسرائيليًا رفيع المستوى زار الولايات المتحدة في أواخر شهر حزيران / يونيو استعدادها لدعم حليفتها "إسرائيل" في "حال اندلعت حرب شاملة بينها وبين حزب الله". أما الدليل على الدعم الأميركي اللا مشروط لـ"إسرائيل"، بمعزل عما يتم تظهيره من خلاف شخصي بين بايدن ونتنياهو، فقد تجسد في موافقة الإدارة الاميركية على تزويد حليفتها بصفقة سلاح جديدة بقيمة 18 مليار دولار لمواصلة عدوانها على غزة وعلى جنوب لبنان.
الموقف الأميركي المجدد لثابتة الدعم المطلق لـ"إسرائيل"، تم إبلاغه للوفد الإسرائيلي المؤلف من وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، والذي عقد سلسلة من الاجتماعات مع مسؤولي إدارة بايدن من ضمنهم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومنسق شؤون الشرق الأوسط بالبيت الأبيض بريت ماكغورك. وذكرت وسائل إعلام أميركية أن المسؤولين الإسرائيليين ناقشا مجموعة واسعة من المواضيع بما في ذلك الوضع على الحدود الشمالية مع لبنان واحتمالات الصدام مع إيران وقضايا مرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على غزة والمفاوضات لإطلاق الأسرى الإسرائيليين.
ونقلت وسائل الإعلام الأميركية عن مسؤول كبير في إدارة بايدن تأكيده أن "إدارة بايدن ستقدم لإسرائيل المساعدة الأمنية التي تحتاجها، من دون ان تشارك مباشرة في الأعمال القتالية". ويأتي هذا التأكيد الرسمي الأميركي في ظل مخاوف أميركية كبيرة من أنه في حالة نشوب حرب شاملة بين "إسرائيل" وحزب الله ، فإن الحزب، بصواريخه ومسيّراته المتطورة التي كشف عنها خلال التسعة أشهر الماضية واستخدمها ضد القوات الصهيونية، يمكن أن يتفوق على منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية بما في ذلك منظومة القبة الحديدية التي كانت تتباهى بها "إسرائيل"، والتي ثبت قصورها أمام منظومات الصواريخ والمسيّرات التي يملكها حزب الله. وقال المسؤول الكبير في الإدارة الاميركية إن المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين ناقشوا في الاجتماعات "طرقًا خارجة عن القانون" محتملة لمواجهة حزب الله من ضمنها طرق غير تقليدية ومن ضمنها الضغوط السياسية على الحكومة اللبنانية.
الموقف الأميركي كما العادة، منسجم مع سياق السياسة الأميركية الداعمة تقليديًا لـ"إسرائيل"، والمنسجمة أيضًا مع ما تقوم به إدارة بايدن تجاه الصهاينة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في تشرين الأول / اكتوبر 2023. فمنذ ذلك الحين لم تبخل إدارة بايدن بتقديم الذخائر والسلاح للقوات الصهيونية، والدعم الاقتصادي للاقتصاد الصهيوني المشلول تمامًا، إضافة إلى تقديم الدعم السياسي الذي لولاه لما كان لـ"إسرائيل" أن تتمكن من مواصلة عدوانها لتسعة أشهر متتالية وأن تعرقل كل مساعي وقف إطلاق النار.
وهذا الموقف ينسجم مع الإستراتيجية الأميركية الساعية لفرض "إسرائيل" كقائد للمنطقة العربية، والتي تعتبر أن الضربة التي تلقتها في السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي شكلت ضربة قاسية لإستراتيجية واشنطن للهيمنة على المنطقة. من هنا فإن إدارة بايدن، وبمعزل عن بعض الاعتبارات الانتخابية، تريد لـ"إسرائيل" أن تواصل عدوانها على غزة حتى تحقق نصرًا على المقاومة هناك. وفي ظل تعثر "إسرائيل" في مواجهة المقاومة في غزة وجنوب لبنان، يبقى توسيع المواجهة أمرًا مطروحًا من قبل الإدارة الاميركية لتحقيق النصر لربيبتها.