شارل أبي نادر
بعد عملية النصيرات في غزّة وارتكاب العدو واحدة من أفظع المجازر بذريعة تحريره أربعة أسرى، وبعد أن تأكدت المقاومة الفلسطينية أن كلّ أهداف عمليات وحدات الاحتلال الميدانية، تصب باتّجاه البحث والتفتيش عن الأسرى داخل قطاع غزّة، لم يعد من مجال للشك بتاتًا بأن المقاومة الفلسطينية وضعت هدف الاحتفاظ بالأسرى أولويةً قصوى لا يجب التفريط بها بأي حال من الأحوال.
بالمقابل، تقوم إستراتيجية العدوّ اليوم، وبالمشاركة العلنية أحيانًا والمخفية أحيانًا أخرى مع الإدارة الأميركية، على تهيئة كلّ الظروف المناسبة ميدانيًا وسياسيًّا لتنفيذ هذا الهدف، وذلك من خلال مناورتين أصبحتا واضحتين: الأولى سياسية والثانية عسكرية.
سياسيًّا:
ظاهريًا، ينخرط العدوّ في عملية التفاوض بهدف إنهاء الحرب والحصول على الأسرى، موحِيًا بأنه يدرس نقاط التسوية، وبأنه يناقش تفاصيلها وينتظر ردود المقاومة الفلسطينية عليها وردود حماس تحديدًا، ومن خلال مقاربته المقترح الأميركي والتعامل معه ومع مقترحات الوسطاء، عبر إعطاء هذه المقترحات حيزًا إعلاميًا علنيًا من الاهتمام، يتطلع في العمق نحو إضاعة الوقت لا أكثر ولا أقل.
عسكريًا:
بالتزامن مع المناورة السياسية المذكورة، ينفذ مناورة عسكرية وميدانية على أرض القطاع وفي أغلب المناطق تقريبًا، بين الشمال والوسط والجنوب، تقوم عمليًّا على الشكل الآتي:
في الشمال، أعاد إطلاق عملياته القتالية باتّجاه حيّ الزيتون، ضاغطًا من شرقه ومن جنوبه على علو الشارع رقم عشرة حتّى دوار الكويت، وبنفس الوقت، ينفذ قصفًا جويًا ومدفعيًا واسعًا على أغلب مناطق غرب وجنوب مدينة غزّة، بالإضافة لمتابعته استهداف بيت حانون وبيت لاهيا من الجو ومن البحر تمامًا بنفس مستوى الاستهداف عند بداية عمليته.
في وسط القطاع، أيضًا أعاد إطلاق عملياته القتالية قصفًا وهجومًا على النصيرات والمغازي، من اتّجاه الشرق ومن اتّجاه المنطقة الفاصلة التي يتمركز فيها بين جحر الديك وبين "نتساريم" وصولًا إلى جنوب الشيخ عجلين.
في الجنوب، وتحديدًا في رفح، وبعد أن سيطر على كامل معبر فيلادلفيا من معبر كرم أبو سالم شرقًا حتى جنوب تل السلطان غربًا، يعمل حاليًا للسيطرة على مخيم الشابورة، حيث يحاصره من ثلاثة اتّجاهات، دون اتّجاه الشمال الذي ما زال مفتوحًا للمقاومة الفلسطينية نحو عمق شمال رفح، وامتدادًا إلى جنوب خان يونس.
ومن خلال تركيزه وضغطه للسيطرة على مخيم الشابورة، يتطلع العدوّ لإكمال الضغط على عمق مدينة رفح من اتّجاه الغرب، بالإضافة للضغط الذي يمارسه حاليًا عليها من الجنوب (من معبر فيلادلفيا) ومن الشرق (من أحياء الجنينة والشوكة والسلام والبرازيل).
اليوم، مع انكشاف مخطّط العدوّ في رفح، والذي يهدف من ورائه إلى تحقيق إنجازين: الأول أمني - عسكري، بالوصول إلى تحرير أكبر عدد ممكن من الأسرى، والثاني سياسي لخدمة موقف وموقع نتنياهو، وبأنه حقق هدفه بالدخول إلى رفح وإكمال عمليته بالدخول إلى كلّ مناطق ومدن القطاع، وبأنه وصل إلى الوضعية التي تخوله السير باقتراحات بايدن وبوقف الحرب، أصبح واضحًا بما لا يقبل الشك أن أحد أقوى عناصر نجاح مناورة المقاومة الفلسطينية انطلاقًا من اليوم، هو الاحتفاظ بأسرى العدوّ - أحياءً أو أمواتاً - كأفضلية مطلقة لا يمكن التنازل عنها مهما كانت الإغراءات ومهما كانت الظروف ومهما تعرضت لضغوط، وحيث نجحت في هذه المناورة وبامتياز في أقصى شمال القطاع وتحديدًا في مخيم جباليا، هي اليوم على طريق النجاح نفسه في أقصى جنوب القطاع في مخيم الشابورة.