حسين خازم
يُعرف عن طلاب المدارس، عمومًا، بغضهم للمواد التي يرونها "جامدة" من دون أي حركيّة أو تفاعل، تلك التي تقوم على الحفظ والقراءة، ومنها مادة التاريخ التي لا تستطيع أن تكتب فيها ما تفهمه؛ بل ما حفظته فقط.
في منتصف حزيران من العام ١٩٨٢؛ خرجت مجموعات الشباب المؤمن تحمل في صدورها المُثقلة وراثة بالاستضعاف من الأحياء الفقيرة في الأوزاعي والشياح والغبيري وعموم الضاحية الجنوبية، حماسة الشباب ونضج الكهول وحبّ الرجل الذي سكن في جماران ومنها قلوب كل التوّاقين إلى عالمٍ مملوء بالعدالة والحريّة والاستقامة بعيدًا عن ازدواجية المعايير، لتصدّ الزحف الإسرائيلي القادم من الجنوب اللبناني؛ حيث لم تستطع فتية "الأر بي جي" في مخيم الرشيدية ولا كمائن "أبو علي رضا ياسين" ومن معه في كفردجال منعها من الوصول إلى بيروت، كفردجال التي هوى على طريقها فارسٌ من فرساننا الشباب قبل ساعات من كتابة هذا النص.
يقول أحد الذين شاركوا في التصدّي: "لم يكن يخطر ببالنا أن تكبر اللعبة بهذا الشكل، أردنا أن نمنع الإسرائيليين من دخول بيروت والضاحية، لم يكن ببالي على الأقل أن تصبح هذه المجموعات حزبًا ثم قوّة في الساحة العالميّة أو حتى الإقليمية".
وبالعودة إلى التاريخ، وإثر وصول القوات الغازية إلى بيروت، أقسمت المجموعات تلك على بيعة الإمام الخميني (قده) وعلى القتال حتّى تحرير بيروت والجنوب والجبل مقدمةً لإزالة الغدّة السرطانية من جسد العالم الإسلامي، وهذا ما حصل.
ليس المهم أن هذا ما قد حصل، المهم كيف حصل ذلك، ١٨ عامًا تفنّن فيها جيلنا الأول والثاني في صناعة الموت للإسرائيليين في الجنوب، أجسادٌ وسيارات مفخخة، اقتحامات، عبوات، كمائن، أسر، وقليلٌ ما يزال في جعبة المقاومة الإسلاميّة لمّا يُسمح بتداوله بعد عن تفاصيل إغراق الدولة الأقوى في المنطقة في المستنقع اللبناني.
حزبُ الله الذي لم يبدّل، لم يساوم، بقي رأس الحربة أمام إسرائيل لمدّة أربعين عامًا، صنع المعجزة، كان حزب الله المجموعة الأولى عربيًا وإسلاميًا التي استطاعت أن تنتزع الانتصار من "الدولة الإسرائيلية" من دون مثقال ذرّة من التنازل، وأسقط الحزب خيالات "أبطال السلم والحرب" بأنّ "إسرائيل" لا تُهزم، وقف إسحاق شامير متحسرًا على بقائه حيًا ليرى "عربًا من نوع آخر" مرّغوا كرامة الجيش الإسرائيلي بالتراب من دون أي مكسب له أو تنازل منهم.
وبالعودة إلى التاريخ، فقد أثبتت التجربة مع حزب الله، أن التاريخ ليس مادةً جامدة، هؤلاء قرروا أن يمسكوا شراع السفينة التي تحمل العرب والمسلمين، وأن يقودوا التاريخ إلى حيث يريدون. لم يعد هناك مكان لنكسة ١٩٦٧ في ذاكرتنا الجماعية، لقد استبدلناها بفتح أيار ٢٠٠٠، لأننا ببساطة، منذ ١٩٨٢ مرورًا بالعام ٢٠٠٠ ووصولًا إلى زمن الطوفان الموصول يقينًا بوعد الآخرة، قررنا نحن أن نكتب التاريخ.