إيهاب شوقي
ممّا لا شك فيه أن الرد الصهيوني على مرونة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في التعاطي مع مقترح وقف إطلاق النار وإعلانها الموافقة عليه، والذي تمثل ببدء العدوان على رفح وقصفها واحتلال معبرها، هو أكبر دليل على جوهر المشروع الصهيوني القائم على الغدر والخداع والنفاق. كما يعكس هذا الرد نظرة العدوّ الدونية للوسطاء، فقد شكّل العدوان، قبل دراسة الرد والتشاور مع الوسطاء، إهانة شكلية لمصر وقطر، وإهانة عملية لمصر خاصةً واستهانة كبرى بتحذيراتها السابقة.
هناك العديد من الشواهد التي تقول إن عدوان رفح كان مخطّطًا له بمعزل عن موقف "حماس". فقد حدثت أمور لافتة، صبيحة يوم الموافقة، وأبرزها اتفاق اعلامي رسمي عربي على وصف موقف "حماس" بالتعنت، وأنها السبب وراء انهيار المفاوضات بإقدامها على عملية كرم أبو سالم، وكأنّ هذا الاعلام العربي يعلم أن المفاوضات انهارت ويعلم ساعة الصفر لبدء معركة رفح. لكن تسببّت الموافقة المفاجئة لـ"حماس" بإرباك الجميع، بمن فيهم الوسطاء الذين تجهزوا لمرحلة الهجوم الإعلامي وتسويغ العدوان على رفح.
هذا الارتباك تمثل بوصف الخارجية القطرية للموافقة وصفًا فاترًا، حين قالت إنّ رد "حماس" يمكن وصفه بالإيجابي، وهو وصف فاتر لإنجاز من المفترض أنه كبير. كما كُثف نشر تقارير منسوبة لمصادر مجهّلة، بأن "حماس" وافقت على ورقة أعدها الوسطاء وعدّلوا بها ولا تعرف "إسرائيل" شيئًا عن التعديلات، تاليًا هي غير محمّلة بالتزامات وقد لا تقبل المقترح، وهو تبرئة للعدو من التراجع والتملص من وقف إطلاق النار.
في هذا السياق، لا بد من رصد حقيقة بدت جلية في الممارسات الصهيونية والأميركية، ولا سيما بعد المرونة الكبيرة التي أبدتها "حماس" مع المقترح الأخير الذي يلبي الحد الأدنى من مطالب المقاومة، ألا وهي أن العدوّ وراعيه الأميركي يستغلان المفاوضات لكسب الوقت وتخفيف الضغوط الداخلية ولخداع الرأي العام. باختصار يمكن وصف هذه المفاوضات بأنها مسرحية، والطرف الجاد الوحيد بها هو المقاومة.
كما يمكن استخلاص قاعدة جديدة، مفادها أن "إسرائيل" كما لا تستطيع محاربة المقاومة بمفردها، هي أيضًا لا تستطيع التفاوض مع المقاومة بمفردها.
أولًا: على مستوى الحرب، خلص تقرير الباحث في معهد العلاقات الدولية في براغ والباحث الزائر في معهد دراسات الأمن القوميّ في جامعة "تل أبيب" عزرئيل بيرمانت إلى أن القصف الصاروخي الإيراني للكيان، والذي وقع في 14 نيسان/أبريل، أظهر أن "اسرائيل" لا تستطيع أن تنتصر على إيران بمفردها.
ثانيًا: على المستوى السياسي، ثبت أن الكيان لا بد له من أطراف داعمة تتظاهر بالوساطة وبالرعاية وبأنها أطراف ضامنة، مع أن هذه الأطراف تسعى لتمرير المطالب والمصالح الصهيونية، وعندما تيأس من تنازل المقاومة، فلا مانع عندها من تحميلها مسؤولية انهيار المفاوضات وتملص العدوّ من التزاماته.
باختصار شديد، لقد دخل العدوّ الصهيوني وراعيه الأميركي المفاوضات لتحقيق عدة أهداف، ليس منها على الإطلاق السلام ولا وقف إطلاق النار، ويمكن رصدها في ما يلي:
1 - التظاهر أمام الرأي العام الداخلي الصهيوني والأميركي، وكذلك العالمي، بأن هناك محاولات للسلام ولاستعادة الأسرى وإدخال مساعدات للمدنيين، وتحميل حماس ومحور المقاومة مسؤولية الفشل واستمرار العدوان.
2 - رفع الحرج عن الأنظمة العربية وتسويغ صمتها وإهدائها دورًا في القضية، فظهورها بمظهر الساعي للحلول وأنها تبذل جهدًا لمصلحة القضية وتسويغ كذلك علاقاتها الاستراتيجية بأميركا، من باب أنّ لها أهمية وجدوى تتمثل في المساعي المشتركة لكبح جماح العدوان.
3 - محاولة انتزاع تنازلات من المقاومة بالتفاوض عوضًا عن الفشل في انتزاعها بالقوّة.
لكن موافقة "حماس" أسقطت ورقة الهجوم عليها، وأفشلت خطة الوقيعة بينها وبين أهالي غزّة المنكوبين، وهي وقيعة خُطّط لها في ما يبدو تزامنًا مع خطة اقتحام معبر رفح وما يتسرب عن خطط لإدارته عبر ما سمّي بـ"إدارة مدنيّة" تحت لإشراف صهيوني.
نرى أن العدوان على رفح مبيّت، وأن الخطط العسكرية التي يجري إعدادها لغزّة هي خطط أميركية صهيونية تتخطّى نطاق الحرب الراهنة، وتتعلق بأطماع كبرى في احتلال ثروات غزّة وحقول الغاز ومشروعات التطبيع المستقبلية، وأن التفاوض يستكمل فقط ذرائع العدوان.
في هذا السياق، نرى أن "حماس" نجحت في الشق السياسي، كما نجح محور المقاومة في إسنادها سياسيًّا بتثمين خطوتها ومرونتها ورمي الكرة في ملعب العدو.