شارل أبي نادر
من خلال متابعة استراتيجية المقاومة الإسلامية في لبنان في هذه الحرب ضدّ "إسرائيل" دعمًا لغزّة، تبدو وللوهلة الأولى عملية استهدافها مقر قيادة لواء "غولاني" ومقر وحدة "إيغوز 621"، في ثكنة "شراغا" شمالي مدينة عكا المحتلة، عملية روتينية من ضمن هذا السياق، حيث إن الثكنة المذكورة هي قاعدة عسكرية من بين عشرات القواعد المماثلة التي استهدفها حزب الله حتّى الآن، ضمن عمليات الرد التي ينفذها على وحدات العدو.
وأيضًا تأتي هذه العملية من ضمن المسار التكتيكي المتطور ذاته، حيث نُفّذ الاستهداف بأسلحة نوعية، دأب مؤخرًا حزب الله على إظهار نماذجها تباعًا في المواجهة، وبطريقة جديدة ومبتكرة. إذ مقارنة مع عملية "عرب العرامشة" والتي نُفّذت بطريقة مركبة، بصواريخ "الماس" الموجهة بكاميرا، وبمسيّرة انقضاضية أصابت مبنى قيادة سرية الرصد والاستطلاع العسكري في الجليل الغربي المحتل، نُفّذت عملية "شراغا" بطريقة مركبة باستعمال نموذجين مختلفين من المسيّرات: الأولى إشغالية جذبت انتباه وتركيز وجهود منظومات الدفاع الجوي، لتتدخل وبشكل سريع ومفاجىء، والثانية "الانتحارية" وتنقضّ على الهدف بطريقة صادمة.
هذا في ما خص أوجه التشابه بين عمليات الرد التي تشنها المقاومة الإسلامية في لبنان ضدّ وحدات وقواعد العدوّ على جبهته الشمالية، ولكن ما هي الجوانب الأخرى التي يمكن أن تتمايز فيها عملية استهداف ثكنة "شراغا" عمّا سبقها، وبالتالي ما هي الخطوط الرئيسة لرسائل حزب الله من وراء هذه العملية؟
* الرسالة الأولى من هذه العملية هي رسالة الهدف، وهو قيادتا لواء "غولاني" و"وحدة ايغوز"، وتشكلان إحدى أهم وحدات العدوّ الأساسية على صعيد المهام والعمليات الخاصة. واستهداف حزب الله لمركزيّ القيادتين بهذه الطريقة غير التقليدية، يحمل الكثير من رسائل التحدّي والندية لجيش العدوّ بشكل عام ولقيادة المنطقة الشمالية لديه بشكل خاص.
* الرسالة الثانية من هذه العملية هي رسالة الجغرافيا، والتي يمكن الاضاءة عليها في جانبين اثنين:
- الجانب الأول لناحية المسافة، إذ مع وجود الثكنة المستهدفة على مسافة تتجاوز ١٧ كلم من الحدود اللبنانية، مع إضافة مسافة مماثلة أو ربما أقل قليلًا داخل العمق اللبناني، على المدى الذي قطعته المسيّرات المستعملة وخاصة الانقضاضية، يكون حزب الله قد نجح في التدخل والسيطرة بهذه المسيّرات على مسرح جوي حدودي واسع يتجاوز الـ ٣٠ كلم، من المفترض أن تكون أكثر منظومات الدفاع الجوي العدوة قد انتشرت لحمايته، وليكون السؤال الأهم لدى العدو: ما هي هذه المسيّرات وما هي قدراتها؟؟
- الجانب الثاني في رسالة الجغرافيا، هي نقل حزب الله المواجهة إلى البحر، حيث إن "شراغا" هي على الساحل شمال عكا مباشرة، وهنا يمكن الاضاءة على حساسية وأهمية وخطورة نقل هذه المواجهة إلى السواحل الشمالية لفلسطين المحتلة، وذلك على الشكل التالي:
من الطبيعي أن المواجهة الساحلية تستوجب إدخال أسلحة بحرية، والتي بأساسها تأتي الصواريخ البحرية، صواريخ ساحل - بحر وصواريخ بحر - بحر، وأن يكون حزب الله قد نجح منذ ١٨ عامًا (في حرب تموز ٢٠٠٦) في المواجهة البحرية عندما استهدف البارجة العدوة ساعر، فإنه اليوم حكمًا وبعد هذه المدة الطويلة، يمتلك الإمكانيات المناسبة والكافية للتدخل في اية مواجهة بحرية، وبمستوى متكافىء بنسبة كبيرة.
أيضًا، من الطبيعي أن أي مواجهة ساحلية أو بحرية بين حزب الله وبين "إسرائيل"، سوف تمتد جغرافيا - على الأقل - لمنطقة كاريش، حيث أعمال التنقيب واستخراج الغاز الإسرائيلية تسير على قدم وساق ولم تتأثر - حتّى الآن - بالمواجهة البرية على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وتأثر هذه الأعمال وتوقفها أو تعليقها، سيكون مؤذيًا بقوة للعدو، وخاصة في ظلّ ما يعيشه اليوم من ضغوط اقتصادية غير مسبوقة، الأمر الذي سوف يفرض حكمًا، تغييرًا مفصليًا في المواجهة بينه وبين حزب الله.
انطلاقًا من هذا المسار الذي يمكن أن تفرضه عملية "شراغا" وما حملته من رسائل للعدو، يبقى التساؤل الأساسي التالي:
هل تتم العودة إلى معادلة الردع بين الجانبين وبالتالي إلى إعادة ضبط المواجهة التي تجاوزتها "إسرائيل"، في توسيع جغرافيا اعتداءاتها أو في استهداف المدنيين؟ أم يؤدي الأمر إلى تدحرج المواجهة لتصبح واسعة ومتفلتة وبالتالي إلى حرب مكشوفة ومفتوحة دون قيود؟