كريمة الشهيد بروجردي وحفيده في حوار مع موقع "العهد" الاخباري
طهران - مختار حداد
الشهيد محمد بروجردي، قائدٌ جهادي إيراني كبير من أبناء الثورة الإسلامية وأنصار مفجرّها الإمام الخميني (قده). أسّس "مجموعة الصفّ التوحيدية" بهدف الكفاح المسلّح ضدّ النظام البهلوي وكان له دورٌ فاعلٌ في انتصار الثورة الإسلامية.
إلى جانب غيره من الثائرين، بذل الشهيد بروجردي جهودًا كبيرة على طريق انتصار الثورة الإسلامية، وتوجّه في بدايتها - عندما أثار العملاء في الداخل الفتن والاضطرابات في المناطق الكردية- إلى باوه إثر الأمر التاريخي الذي أصدره الإمام الخميني(قده) بمواجهة وضرب مناوئي الثورة، وكان الشهيد هو من بين 12 فردًا أسّسوا حرس الثورة الإسلامية.
في أحداث باوه، شمّر عن ساعديْه في مواجهة مناوئي الثورة ومعارك سنندج وأحداث مدن محافظة كردستان الأليمة، فكانت هذه البلدات تتحرّر الواحدة تلو الأخرى على يديه وأيدي الثوار من رفاقه. ومع أنه كان يترأس العمليات في المنطقة الغربية، فقد كان له دورٌ بارز أيضًا في عمليات المنطقة الجنوبية، ولا سيما في عمليات الفتح المبين، حيث وصل إلى الجنوب قبل بداية هذه العمليات وأسهم فيها. وكان تأسيس مقر حمزة ولواء الشهداء الخاص من جُملة إنجازاته القيمة.
لم يكن للرفاه والماديات أثرٌ في حياة الشهيد، وكان في أصعب الظروف يعمل بأدنى الإمكانات، وكان يرى نفسه مدينًا دومًا للثورة والامام الخميني(قده).
في 22 أيار 1983، عندما كان يسير مع عدد من أصحابه على طريق مهاباد ونقده، انفجر به لغم عند تقاطع "دارلك" لينال ما أراد ويفوز بالشهادة.
ما هي أهمّ مراحل حياة الشهيد بروجردي؟
كان لوالدي نشاطات عديدة. فعندما نستذكر سيرة حياته؛ نرى أنه قد مرّ بتحوّلات عدة قبل الثورة وبعدها. ربما أهم نشاطاته قبل الثورة کان تشكيل مجموعة صفّ التوحيدية لتنفيذ أوامر الإمام (قده) ومحاربة نظام الشاه المستبدّ. وللقيام بالعمليات المسلّحة والأمور الأخرى، كان يأخذ الأمر من الإمام مباشرة أو عن طريق الشهيد بهشتي أو الشهيد مطهري. وکان إذا ما أدرك أنه من غير المستحسن القيام بالعمل المسلّح في مرحلة ما، يتراجع عنه، واستمر على هذا الحال حتى انتصار الثورة الاسلامية.
كان عضوًا في الفريق المسؤول عن حماية الإمام الخميني (قده) عند وصوله إلى البلاد من المنفى، في ذلك الوقت. كما أنه كان مديرًا لسجن إفين. عُرض علیه تولّي قیادة الحرس الثوري، لكنه رفض ذلك بناءً على مقتضيات ذلك الوقت. وقد كان والدي أحد الأشخاص الاثني عشر الذين كانوا الأعضاء المؤسّسين للحرس الثوري الإسلامي. وبعدما بدأت أزمة كردستان، أمر الإمام (قده) بإنهاء هذه الأزمة، وبأمر من سماحته توجّه والدي إلى محافظة كردستان وقام بتشكيل مجموعة البيشمركة الإسلامية، وكان لديه إيمان خاصّ بعمل الناس. فقام بتشكیل البيشمركة الكردية بمساعدة أهالي كردستان، وقتها أثيرت الشكوك حول لماذا يأتي أحد من طهران ونحن يمكننا أن نحرر مدينتنا بأنفسنا؟ لهذا السبب قام والدي بتشكيل مجموعة البيشمركة الكردية هذه.
لسنواتٍ طويلة، نرى أن أعداء الثورة يأتون بالحِيَل، وكان قائد الثورة الاسلامية يؤكد دائمًا على مسألة جهاد التبيين. ولذلك كان والدي الشهيد ينتقّل من مكان لآخر ويقوم بتغيير كل الأفكار في ذلك الوقت. وكان يحاول أعداء الثورة صرف انتباه الناس عن حالهم الثورية وإيجاد الاختلالات. وکان والدي يدخل السجون ويتواصل مع كل الطبقات ويتحدث ويتفاوض معهم لساعات طويلة، حتى إنه كان ينام هناك أحيانًا، فقد كان مصرًا إلّا أن يتحدث معهم وجهًا لوجه ومن دون سلاح، وكان دائمًا يحثّ أصدقائه على الدخول من دون سلاح؛ فهذا لن يسبّب أيّ خوف أو يفقد الثقة التي اكتسبناها بين الناس.
أولئك الذين يبلغون المراتب العظیمة غالبًا ما تكون لديهم طفولة صعبة، فماذا تخبروننا عن طفولة الشهيد بروجردي؟
أصبح والدي يتيم الأب وهو في سنّ الخامسة، وحينها كان يعيش في مدينة بروجرد. انتقلت عائلته المكوّنة من خمسة أفراد إلى طهران مع والدته بعد وفاة والده. ترك الدراسة والتحق بعد مدة بالحوزة العلمية، لكنه بسبب ظروف الحياة القاسية، اضطرّ للتخلّي عن الحوزة أيضًا والعمل لتأمين لقمة عيش عائلته. وطبعاً كان والدي ونظرًا لإحساسه بالمسؤولية تجاه أخته وأخيه ووالدته، يشعر بأنه أكبر وأكثر نضجًا.
بدأ والدي العمل في مهنة خياطة الملاحف والوسائد والفرش وزاوَلها. وبما أن صاحب ذلك العمل كان من معارفنا، وكان عمّنا يعمل هناك أيضًا، فقد أصبح ذلك المكان منبرًا للأعمال الثورية. وفي كثير من الأحيان كانت خطابات وبيانات الإمام (قده) توضع داخل الفرش، ليجري نقلها وتوزيعها بهذه الطريقة، وكانت هذه فرصة لأعمال الثورة. وبما أن جدّي (والد أمي) كان على علاقة قوية ومؤثّرة بوالدي، فقد وضع منزله تحت تصرف والدي للقيام بالنشاطات الثورية.
ما كانت أهم مسؤوليات الشهيد منذ بداية الثورة الاسلامية؟
كان مسؤولًا عن فريق حماية الإمام الخميني (قده) عندما وصل الإمام الى البلاد، وكان مديرًا لسجن إيفين لمدة من الوقت. في مرحلة ما، عُرضت عليه قيادة الحرس الثوري. في فترة دخل حرس الثورة إلى محافظة كردستان للقضاء على أزمة مناوئي الثورة في المناطق الكردية، وأصبح نائبًا لقيادة الحرس في غرب إيران.
ماهي أهم صفاته الشخصية؟
أخلاقه الحميدة جعلته مشهورًا في كردستان باسم "مسيح كردستان". کان يجلس مع الناس ویحدّثهم ويكرمهم باللطف وجوهر الإنسانية. فقد كان یؤمن بوجوب أن نكون حاضرين بين الناس ونعيش بينهم حياة بسيطة مشابهة لحياتهم، كان يؤمن بإكرامهم وتعظيمهم. فيما يتعلق بتحرير سنندج، آمن بوجوب تسليح الشعب كلّه لإخراج أعداء الثورة من المدينة. وقبل أن نرى قوة والدي القيادية والعسكرية، شهدنا كيف احتلّ قلوب الناس وعواطفهم، وهو سر نجاحه.
کم هي المدة التي تولّى فيها مسؤولية حماية الإمام؟
تولّى تلك المسؤولية في المرحلة الممتدة من 12 بهمن 1357 (1 شباط/فبراير 1979) حتى 22 بهمن (11 شباط/فبراير1979). وفي تلك الأثناء؛ عندما رأى الإمام والدي للمرة الأولى في مدرسة الرفاه، ظنّه عنصرًا أجنبيًا بسبب لون لحيته وشعره الأشقر، فقال عناصر الحرس للإمام أنه واحد منا، وهو من كبار قيادات حرس الثورة.
كيف اعتُقل خلال حكم نظام الشاه البائد؟
اعتُقل في المرحلة نفسها التي كان يحاول فيها الوصول للإمام الخميني(قده)، فأُرسل للسجن وبعدها إلى الجيش. وبعد أن تابع جدّي وجدّتي أمره، اكتشفا أنه قد اعتُقل وأُرسل للخدمة العسكرية.
هل تذكرون شيئًا في ما يخص علاقته بسماحة الإمام الخميني(قده) وعلاقته بسماحة القائد الإمام السيد علي الخامنئي؟
سماحة قائد الثورة الاسلامية لديه جملتان أو ثلاث يشير بها إلى عمق معرفته بوالدي، فهو يقول: "لقد كان رجلًا قليل الكلام، و كثير الفعل.. أعيدوا إحياء صورة هذا الشهيد، هذا الانسان قليل الكلام، كثير الفعل، الملتزم والنشيط". ومن كلام سماحة القائد، يمكننا فهم أنه لم يكن جدليًا على الإطلاق، ولم يدخل في نقاشات سياسية وهامشية، وأن كل ما كان يهمّه هو تنفيذ أوامر الإمام الخميني(قده) وخدمة الناس. بعد تحرير المناطق الغربية قالت له والدتي من الأفضل أن نعود، فقال سأبقى هنا حتى النهاية إلى جانب أبناء كردستان.
كما تعلمون أنه في مرحلة من المراحل، أُرسل الشهيدان همت ومتوسليان إلى سوريا بهدف دعم قوى المقاومة، فهل كان للشهيد أيّ نشاط بهذا الخصوص؟
ربّما أهمّ من كل ما ذُكره، هو إحدى سماته وصفاته المميّزة، وهي تدريبه وتعليمه للنخب والقوى الفعالة والخاصة. يمكن القول إن الشهيد الحاج محمد إبراهيم همت والحاج أحمد متوسليان والجيل المتبقي من قادة الحرس الثوري الإسلامي هم من تلاميذ الشهيد بروجردي. لذلك أخبرنا العديد من أصدقائه أن تدريب النخب كانت من السمات البارزة لوالدي، وقد اختار والدي الحاج متوسليان وأدرك في ما بعد مدى صحة اختياره.
بعد أحداث كردستان كانت لدينا مرحلة الدفاع المقدس، فهل تحدّثوننا عنها؟
بعد عودة الأمن والاستقرار إلى محافظة كردستان، ذهب والدي إلى الجنوب، وطلبوا منه توجيه القوات التي كانت في الغرب إلى هناك؛ لأنها بحاجة لوجودها هناك، وكان العديد من القوات مثل الشهيداء كشوري وشيرودي وهمت يعملون إلى جانب والدي، ويقومون بالمهمات معه، ولم يكن يهمّه إذا خدم في الجنوب أو في الغرب، وكان يعتقد أننا جميعًا أبناء لوطن واحد، وبحسب المتطلبات والاحتياجات. ومع أن عمر هؤلاء الأشخاص لم يكن کبیرًا جدًا في ذلك الوقت، إلّا أنهم كانوا على قدر كبير من المسؤولية. وقد رأينا كيف خرج الشهيد بروجردي وغيره من زملائه ورفاقه في هذه المدرسة من الأزمة التي خلقها النظام الصدامي البائد للبلد، بكل روعة وفخر.
الآن كيف تنظرون إلى فراغ فقدان الشهيد بروجردي؟
مرت أربعون سنة على غيابه، لكن روحه حاضرة بيننا بشكل واضح، ولا نشعر أبدًا بفراغ غيابه، لأننا كلما ذكرناه وتمنينا وجوده ليحلّ عقدة ما في حياتنا رأينا أن تلك العقدة قد حلّت، وكل ذلك بفضل دعائه وروحه الطيبة. هو موجود دائمًا معنا وذكره لا يفارقنا.
عُرض "فيلم غريب" في لبنان، حيث عرّف المجتمع اللبناني بالشهيد، فما هي رسالتكم لشعب لبنان والمقاومة؟
لقد قام هذا الشهيد في إيران بخطوة کبیرة في أثناء الأزمة، وإلى جانب وصوله إلى مكانة عظيمة، فقد تمكن أيضًا من إنقاذ البلاد وشعبها، والأهم من ذلك هو الثقة التي أولاها للناس، والمحبة التي خلقها بينهم، والإنسانية التي لاقت تكريمًا عظيمًا. وعندما نجمع هذه الأشياء مع بعضها، نجد أننا بحاجة إلى مثل هذه الأشياء اليوم. أينما تُرفع راية الحرب ضد الطغيان في العالم، نحن بحاجة إلى هذه الخيارات يعني أن تكون مع الشعب، وبينهم وأن تستغلّ حضور الشعب في كل المجالات.
وهناك نقطة أخرى مهمّة كانت في نظر والدي وهي طاعة القائد، وهذا الأمر أيضًا يختلف في كل مرحلة. من أجل محاربة الظلم وتهيئة الأرضية لظهور مولانا الامام الحجة (عج)، يجب أيضاً أن نثق ونؤمن بنائبه حتى يكون هذا الطريق سلسًا وسهلًا. وبحسب قول سماحة قائد الثورة، صحيح أننا نسير نحو القمة، لكن هناك صخورًا كثيرة وعقبات مختلفة في طريقنا، ويجب ألّا نفقد الأمل، وفي هذا الاتجاه ينبغي إيلاء اهتمام خاص لطاعة القيادة، ومع أن اللبنانيين لديهم قائد عظيم مثل سماحة السيد حسن نصر الله، إلا أنه يعرّف نفسه بأنه تلميذ وجندي لقائد الثورة، وأنه يجب أن يكون قدوتنا دائمًا.
ماهي أسباب حبّ الكثير من الشباب في إيران وخاصة في لبنان لشهيدنا العظيم من وجهة نظركم؟
لأن والدي عاش بإخلاص ونوايا صافية، وكل ما فعله كان یفعله في سبيل الله وبسريّة تامة. نرى أنه لدیه أقل عدد من الصور والمقابلات، وفي مكان ما عندما أتوا لالتقاط الصور والفيديوهات، قال من الأفضل أن تلتقطوها لهؤلاء الجنود، هؤلاء الأعزاء قاموا بالعمل الرئيسي ونحن فقط نرشدهم. كذلك صدقه وإيمانه جعلاه يدخل قلوب الجميع أيضًا، ونرى أن هذا "المسيح" قد عبر الحدود واحتل قلوب الكثيرين.
ما هي رسالتكم لشباب لبنان وأبناء المقاومة الاسلامية وسماحة السيد حسن؟
السيد حسن نصرالله يتمتع بمكانة رفيعة وعالیة عندنا. الشهيد بروجردي كان يتمتع بميزتيْن فريدتيْن جعلتاه ينقذ محافظة كردستان، الأولى هي الإيمان بالله، والثانية هي الأمل والثقة بالله، وهذا ما قاله قائد الثورة الاسلامية بأنه لا ينبغي أن نفقد الأمل، لأن العدو لا يقف ساكنًا وينشر بذور اليأس في جميع أنحاء العالم، وإن ظهور الامام المهدي(عج) في حد ذاته يتطلب وجود الأمل.
كونك حفيدًا للشهيد الكبير؛ ماهي رسالتك للشباب اللبناني والمقاومة الاسلامية؟
بحسب الشخصية التي نراها منه في هذا فيلم "غريب" (يتحدّث عن سيرة حياة القائد الكبير)، فهناك بعض الميزات الواضحة التي ستشكّل الحل في كل مكان، ألا وهي الصبر. وبحسب الآية الكريمة "إن مع العسر يسرا" فإن وراء كل عسر يسر، وهذه بشرى من الله تعالى. قد تكون هناك صعوبات ومشكلات في طريقنا، ولكن يجب علينا حلّها بالصبر.