ميساء مقدم
مدمّر الرواية الصهيونية، وهادم لذّات الناطق باسم جيش العدو: الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية. التطوير الذي لحق بمنظومة المقاومة العسكرية من أسلحة وعتاد وتجهيز وتدريب، منذ حرب تموز 2006 إلى الجبهة الجنوبية ضمن معركة طوفان الأقصى في 8 أكتوبر 2023، لم يستثن جبهة الإعلام العسكري، بل تشير طبيعة وحجم إنتاجاتها إلى جهدٍ جبار وتطوّر نوعي لحق بخطط عملها طيلة السنين الفائتة.
ليس بالسلاح وحده تخاض الحروب. لذلك، يمثّل الإعلام العسكري ساحة موازية يتولّى خلالها مهامَّ رئيسيّة في الحرب النفسية ضدّ جبهة العدوّ لزعزعة ثقة جمهوره، والتصدي لروايته وتفنيدها، وشرح المعطيات العسكرية الحقيقية التي ترفد الجمهور الصديق بالمعنويات وتعزز من صموده.
باختصار، يؤدي الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية اليوم أدواره على عدّة جبهات، فهو يكذّب الترّهات الإسرائيلية الهادفة إلى التقليل من أهمية الجبهة المفتوحة شمالًا، وإخفاء الأضرار فيها. هنا، يكشف الإعلام الحربي تباعًا بالصور والفيديو، المشاهد التي توثق لخسائر بشرية مضمونة في صفوف العدو، ولأضرار لحقت بمنشآته. وكان يمكن للمتحدث باسم جيش العدوّ أن يكون أكثر راحة في الكذب على مستوطنيه خلال مؤتمراته الصحافية اليومية، لولا تلك المشاهد التي توثقها كاميرات المقاومة للكثير من عملياتها اليومية، وما تلحقه تباعًا وبشكل تراكمي من تهشيم للرواية المعادية.
الدور الرياديّ اليوم لا يتوقف عند حدود التصوير، وترتيب المشاهد، ثمّ بثّها. المعمل الحربي الإعلامي خلال طوفان الأقصى يحاكي خليّة النحل. بعد معالجة المشاهد وبثها، وضمان وصول الرسالة للعدو والصديق، لا بدّ من توجيه وشرح وتفصيل:
- الخرائط، تدلل على المواقع الجغرافية لعمليات المقاومة ومواقع العدوّ المستهدفة، وهي تُرفق مع كلّ بيان مكتوب صادر عقب كلّ عملية. وفي ختام كلّ يوم جهادي طويل، تقريرٌ شامل يجمع كافة العمليات خلال الـ24 ساعة السابقة، مع خريطة واحدة لكل الاستهدافات.
- الانفوغرافات، وهي مواد غير يوميّة تتضمن بيانات وأرقامًا ومعلومات، ترتبط بأحداث بارزة أو جديدة خلال مسار الحرب، تتطلب تزويد الجمهور بمعلومات حولها، مثل استخدام المقاومة لنوع جديد من الأسلحة، أو إسقاط نوع جديد من المسيّرات، أو تلخيص لخسائر العدوّ وتفنيدها وتصنيفها خلال فترة زمنية محدّدة.
- الفيديوهات المرفقة بمعلومات، وتستهدف تعريف الجمهور بأهميّة نشاط أو هدف معيّن، مثل تلك التي نشرها الإعلام الحربي عقب الاستهداف الأول لقاعدة ميرون الجوية، وتضمّنت معلومات هامة حول القاعدة وأهميتها، أو تلك التي تضمنت شرحًا لأهمية الاستهدافات التي تطال أجهزة التنصت الإسرائيلية وأعمدتها ودورها الاستخباراتي وخطورته.
- البيانات التوعوية، وتحمل رسائل توجيهية إلى المواطنين، مثل تلك التي أهابت بالسكان أن يبتعدوا عن الأماكن التي يتمُّ استهدافها من قبل العدوّ وعدم الاقتراب منها أو التجمّع في محيطها، وترك الجهود الإغاثية للجهات المعنية المولجة بهذه المهمّة، أو تلك التي دعت إلى نزع الكاميرات الموصولة بالانترنت في المناطق الحدودية القريبة من أماكن الاشتباك.
- البوسترات التعبوية، وترتبط بمناسبات رمزية أو وجدانية أو دينية، مثل تلك التي تم توزيعها خلال ليالي القدر في شهر رمضان المبارك، وحملت رسائل معبّرة تحاكي العلاقة بين المقاومة بكافة فئاتها، وبين جمهورها.
- الفلاشات التعبوية، مثل ما نشر تحت عنوان "رماة ماهرون"، أو "يد ترمي وعدسة توثق"، أو "فلتبشري يا غزّة".
- صور الشهداء والنبذات التعريفية، وهي إنتاجات رافقت عمل الاعلام الحربي في المقاومة الإسلامية منذ انطلاقته، تكريمًا للشهداء وتأكيدًا على الاعتزاز والافتخار بهم.
إنجازاتٌ نوعية على مستوى الوعي يحققها الإعلام الحربي في حزب الله. تثبيطٌ لجبهة العدوّ الداخلية، وزعزعة لروايته وتكذيب لكثير من عناصرها. هي دروسٌ في أهميّة التوثيق بالكاميرا والمشهد الحيّ وفنونه. فطائرة هرمز 900 المسيّرة التي أسقطتها المقاومة الإسلامية بعد ظهر الأحد 7 نيسان / أبريل، وثّقتها كاميرا الإعلام المقاوم من عدّة زوايا وبأكثر من لقطة، وأكثر من كاميرا أيضًا. نحنُ إذًا في زمنٍ تدوّن فيه المقاومة روايتها العسكرية تماشيًا مع الحدث لحظة بلحظة، ونصرًا بنصر.
قلّةٌ كثّرها الله تتلو من آياته "وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا"، ولطم على الصدور "في درب الحسين نعشق الشهادة"، وضوءٌ ثمّ توجّه نحو الهدف، وبصرخة "الله أكبر" يبدأ الاقتحام المبارك. دقائق وتعلو صرخات المجاهدين من داخل الموقع فوق أشلاء الأعداء "يا مهدي أدركنا". وها هو الحاج جواد مطوط يُبلِغ سماحة السيد عباس الموسوي بنجاح العملية عبر اللاسلكي. يغنم المقاومون دبابتين، وتنسحب المجموعة بمعنويات عالية.
كان ذلك أول الإنجازات التي وثقتها عدسة الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية رسميًا، في 19 أيلول / سبتمبر 1986 خلال عملية اقتحام موقع سجد. ومن كانت تلك بداياتُ شريطه، يؤملُ أن يختمه بمشهد صلاةٍ في باحات المسجد الأقصى بعد نصرٍ وحرّية.