اسماعيل المحاقري
قطعت اللجنة الأميركية "للحرية الدينية الدولية USCIRF" زيارتها الرسمية إلى السعودية، وعادت إلى الولايات المتحدة بعد أن طلبت سلطات المملكة من رئيس اللجنة "الحاخام اليهودي" أبراهام كوبر خلع غطاء الرأس "القلنسوة" في أثناء زيارتهم موقع الدرعية للتراث العالمي، في مطلع الشهر الجاري.
الحدث لم يكن عاديًا يمكن تخطيه، ولا يصح عقلاً أن يمرّ مرور الكرام فالأمر لا يتعلق بقلنسوة يهودي؛ بل يرتبط بالشكل والمضمون وفي الزمان والمكان بمسار التطبيع وخلفيات الصراع مع اليهود ومعتقداتهم التي تقدس ذاتهم، وتتطلّع إلى الحكم والاستبداد والسيطرة على منطقتنا العربية ومقدساتنا الإسلامية.
اليهودي كوبر قال معلقًا على الحدث إنه لا يمكنه الامتثال لطلب خلع "الكيباه" التي يرتديها، كونه يهوديًا ملتزمًا، وشبّه الأمر بمطالبة امرأة في السعودية بخلع حجابها. بالنسبة إلى نظام آل سعود؛ فقد كان الأمر مؤسفًا إذ سارعت سفيرة المملكة في واشنطن ريما بنت بندر بن سلطان لزيارة الوفد الأميركي وتقديم الاعتذار لكبيرهم اليهودي واصفة ما حدث أنه سوء فهم في البروتوكولات.
سقوط سعودي بلا قعر؛ لسببين الأول يتمثل بفتح أبواب بلاد الحرمين الشريفين على مصراعيها أمام الوفود اليهودية وصولًا إلى استباحة حرم المسجد النبوي الشريف، والأمر الآخر مرتبط بالتودد والتقرب من اليهود حتّى في ذروة جرائم حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبونها في غزّة..!
من المفارقات في المسألة أن رئيس الوفد الأميركي أبدى تمسكه بلبس "القلنسوة" داخل المملكة، لأنه معتقد ديني، مع يقينه بأن الخطوة مستفزة في أصلها وشكلها لكثيرين داخل المملكة، وهو في مهمّة متابعة وتقييم سير السعودية في برنامج الإصلاح المزعوم الذي تعهد به محمد بن سلمان، والذي يشجع على السفور والمجون وينسف كثيرًا من القيم والمبادئ والمعتقدات الإسلامية، ويشمل أيضًا تغيير المناهج لتكون أكثر انفتاحًا.. وأقلّ عداء لكيان العدوّ الإسرائيلي، وفي هذا المضمار قطعت اللجان الأميركية الإسرائيلية المتخصصة لتعديل المناهج السعودية شوطا كبيرًا.
في ما يرتبط بالصراع المفتوح والشامل مع العرب والمسلمين، فاليهود لا يتشددون فقط لبعض المظاهر والمفاهيم، بل عمدوا في عصرنا الحالي إلى ترسيخ أوهام التعظيم والتقديس لهم كونهم يمثلون معتقدًا دينيًا داخل أميركا وأوروبا، ويرون أن دعم السيطرة على فلسطين واجب ديني، أي أنهم حولوا أطماعهم إلى معتقدات دينية يتحرك اللوبي اليهودي لتنفيذها وفقًا لرؤية سياسية وبرنامج عمل متكامل، بعد أن كبّلوا الأمة الإسلامية وأخضعوا الكثير من حكامها لأجندتهم الاستعمارية.
ما حدث في غزّة، من تهافت وتسابق أميركي غربي لزيارة كيان العدوّ بعد عملية "طوفان الأقصى"، لإعلان التضامن مع الصهاينة وتقديم كلّ أشكال الدعم ووسائل التدمير وقتل الشعب الفلسطيني لا ينفصل عن هذا البرنامج، ولا عن الرؤية المتوحشة للصهيونية العالمية، فبايدن الرئيس الأميركي الذي تفاخر بصهيونيته لم يعذر نفسه أنه صار طاعنًا في السن؛ بل بادر بعد السابع من أكتوبر إلى فلسطين المحتلة ليعبّر بشكل شخصي عن مناصرته للعدو وكذلك فعل وزير خارجيته وكثير من المسؤولين الغربيين في فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
جرائم حرب الإبادة الجماعية في غزّة حركت ضمائر حكام لا صلة لهم بالعرب ولا بالمسلمين، ودفعت بعض الدول لقطع العلاقات الدبلوماسية بكيان العدوّ الصهيوني بينما حكام العرب، البعض منهم يلوذ بصمت القبور والبعض الآخر يضع نفسه في الخندق الأميركي الإسرائيلي بكلّ وقاحة واستفزاز. جولة وزير الخارجية الأميركي السادسة إلى المنطقة ستؤكد مجدّدًا أن محور اهتمام السعودية هو في كيفية تطبيع العلاقات مع كيان العدوّ بمنأى عن أحداث غزّة المأساوية.
الصراع مع اليهود ليس وليد عملية "طوفان الأقصى"؛ فله جذوره التاريخية وخلفياته الدينية، وهو أمر يستوجب أن يحمل الجميع الوعي الصحيح تجاه هذا الصراع وفهم طبيعة دور أنظمة التطبيع والخيانة في خدمة اليهود ومخطّطاتهم التآمرية.