شارل أبي نادر
ما يحصل مؤخرًا في غزّة من أعمال قتالية، وتحديدًا في المنطقة الغربية من القطاع، والممتدة من مستشفى الشفاء في شماله حتّى مدينة الزهراء في وسطه، يبدو وكأنه في الظاهر من ضمن المسار نفسه الذي نفذ به العدوّ عدوانه على القطاع منذ السابع من أكتوبر الماضي. إذ إنّ جرائم التدمير والتجويع والقتل واستهداف المدنيين والمشافي تجري بشراسة غير مسبوقة في التاريخ، ومن دون أي حسبان للقوانين الدولية والإنسانية. ولكن، يبقى لمكان حصول هذه العمليات وتوقيتها، اليوم، خصوصية استثنائية، من الضروري الإضاءة عليها لمعرفة أهداف العدوّ ومخطّطاته من هذه المناورة المركبة، بين مستشفى الشفاء وبين مدينة الزهراء وسط القطاع.
لناحية المكان:
تمتد هذه المنطقة الجغرافية المذكورة، بين مستشفى الشفاء غرب مدينة غزّة مع مرفأ غزّة ضمنًا وبين مدينة الزهراء وسط قطاع غزّة، على مسافة نحو ٧ كليومترات من واجهة القطاع الغربية الساحلية، والتي يخترقها في وسطها الطريق المعبد الذي استحدثه العدوّ مؤخرًا، انطلاقًا من شرق القطاع بين مستوطنتي "ناحل عوز" وبئيري، مرورًا بمنطقة جحر الديك وامتدادا باتّجاه الغرب حتّى شارع الرشيد ومنطقة الشيخ عجلين على ساحل غزّة. وهذه الطريق عمليًّا تقسم المنطقة العازلة التي يسيطر عليها العدوّ حاليًا بين شمال القطاع وبين وسطه إلى قسمين: شمالي وجنوبي.
لناحية التوقيت:
تترافق هذه الأعمال القتالية التي ينفذها العدوّ اليوم في منطقتي مشفى الشفاء ومدينة الزهراء، مع انطلاق أعمال التحضير لتجهيز منصة عائمة في المنطقة الساحلية لمدينة الزهراء مباشرة، غرب جامعة فلسطين تحديدًا. وبالتوقيت نفسه إطلاق مشروع الرئيس بايدن لهذه المنصات، والتي ادّعى الأميركيون أنها ستكون السبيل السريع لإيصال المساعدات الإنسانية الطارئة لأبناء غزّة. من جهة أخرى، تترافق أيضًا هذه الأعمال القتالية مع طلب العدوّ من السكان غرب مدينة غزّة، وتحديدًا في مناطق الريمال والشفاء وتل الهوى، إخلاء منازلهم والنزوح جنوبًا باتّجاه دير البلح، والتي تتعرض أيضًا لقصف تدميري ممنهج وواسع.
انطلاقًا ممّا ذكر أعلاه، تأتي هذه الأعمال القتالية للعدو خارج المسار الذي طبع المواجهة والمعارك منذ أكثر من خمسة أشهر حتّى اليوم، ويعود العدوّ للضغط غير المبرر في هذه المنطقة المذكورة (بين الشفاء والزهراء) في الوقت الذي أوقف عملياته - بالرغم من تكبّده خسائر ضخمة من دون حسم، في أكثر مناطق القطاع شراسة بمواجهته ومقاومته، مثل حيّ الزيتون وجباليا والشجاعية ومدينة حمد والقرارة، وبالتالي يمكن أن نستنتج بعض النقاط التي يخطط لها العدوّ في قطاع غزّة؛ وهي:
١ - إبقاء سيطرته على كامل المنطقة الفاصلة بين جنوب مدينة غزّة وبين وسطها، من جحر الديك شرقًا حتّى سواحل القطاع غربًا.
٢ - تثبيت سيطرته على الشريط الساحلي للقطاع، بين مرفأ غزّة ومحيط مستشفى الشفاء، حتّى ساحل مدينة الزهراء، ضمنًا منطقة المنصات العائمة التي يجري تجهيزها لتصبح مرفأ تجاريًا وعسكريًا مرادفًا أو بديلًا لمرفأ حيفا في المستقبل، حيث لم يعد العدو يراه آمنا أو مناسبًا بالشكل الكافي.
٣ - اعتماد هذه المنطقة البحرية في المستقبل نقطة ارتكاز الواجهة التجارية الساحلية لمشروع الخط البري المزمع إنشاؤه، بين دول الخليج وبين سواحل فلسطين المحتلة على المتوسط.