د. جمال واكيم
قد تكون قراءة النص الديني من أعقد القراءات وأخطرها، لما لها من أبعاد قد تؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه في حال وقع النص في يد من هو غير مؤهل لتأويله. فالنص الديني الذي يستند، في بعض الأحيان، إلى أحداث قد تبدو في ظاهرها بسيطة، يمكن أن يستنبط منه معان عميقة قد لا يكون سبر أغوارها بتلك البساطة.
وللنص الديني أبعاد متعددة، منها الغيبي المتعلق بالحياة بعد الموت، ومنها ما هو أخلاقي ومرتبط بالسلوك الفردي والجماعي للناس، ومنها ما هو ذو بعد اقتصادي ونفسي. وقد يكون من المستغرب عند البعض إذا قلنا إن النص الديني قد يحمل أبعادًا جيوسياسية. فأحد أبعاد النص الديني هي التعاطي مع الوقائع المادية ومن ضمنها البعد الجغرافي. والجدير ذكره أنّ المفكرين المعاصرين يرون أن الحدث التاريخي المرتبط بالبعد الجغرافي قد تتشابه خطوطه العريضة بين زمن وآخر؛ لأن ّالجغرافيا بحد ذاتها ثابتة، ما يجعل الزمن التاريخي المرتبط بالجغرافيا زمنًا ثابتًا كما يقول المؤرخ الفرنسي "فرناند بروديل".. لذلك؛ يمكن استنباط أبعاد جيوسياسية من النص الديني.
من هنا، هذه المقالة ستلقي الضوء على تشابه الخطوط العريضة للنص الديني المسيحي بالدرجة الأولى مع ما يجري حاليًا من صراع في منطقة الشرق الأوسط. فإذا عدنا إلى العهد الجديد؛ نجد أن الرواية الدينية تقول إن أرض فلسطين كانت تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية منذ العام 64 ق. م وأنها كانت تدعم حكمًا لملك مستبد هو هيرودس الذي كان يواجه ثورة عارمة ضد حكمه غير الشرعي. وتضيف الرواية أن العرّافين أخبروا هيرودس أن طفلًا سيولد في بيت لحم وسيزعزع أركان حكمه، ما دفعه كي يأمر بقتل جميع الأطفال حديثي الولادة في البلدة. بعد ذلك؛ ولد الطفل يسوع في المغارة وأتى المجوس الثلاثة ليقدموا له الهدايا، علمًا أن من أرشدهم إلى المغارة كانت نجمة الشمال. وتكمل الرواية أن السيدة مريم العذراء أخذت ابنها واتجهت به إلى أرض مصر، حيث قضى طفولته ليعود بعدها إلى أرض فلسطين ويصبح المخلّص لشعبه وللبشرية جمعاء.
إذا أخذنا هذه الرواية وأسقطناها على ما يجري حاليًا في منطقتنا، نجد أن نتنياهو يحاول دفع الفلسطينيين للنزوح إلى مصر في تكرار لحدث لجوء مريم العذراء وابنها إلى مصر التي دخلوها مع يوسف أمنين. ونجد أن إيران التي أتى منها المجوس الثلاثة قبل ألفي عام تقدم الدعم للمقاومة الفلسطينية كما قدم المجوس الثلاثة الهدايا الى الطفل يسوع. كذلك نجد أن إيران متحالفة مع روسيا التي اذا نظرنا اليها من منطقتنا شمالًا نرى نجمة الشمال التي دلت المجوس إلى المغارة التي ولد فيها يسوع. إضافة إلى ذلك؛ فإن المعركة في فلسطين تشكّل رأس جبل الجليد في المعركة العالمية الجارية بين الولايات المتحدة التي ترى نفسها إعادة تجسيد للامبراطورية الرومانية من جهة والقوى الأوراسية ومن ضمنها روسيا وايران من جهة أخرى. ويراهن الكثيرون على أن ما يجري سيسهم بتسريع نهاية العالم أحادي القطبية الذي تسيطر عليه واشنطن لصالح عالم متعدد الأقطاب يكون فيه خلاص للشعب الفلسطيني وللبشرية من الهيمنة الصهيونية والغربية.
فهل يمكن أن يكون هذا الإسقاط دقيقًا؟ ربما. هنا يجب أن نستفيد من علم رجال الدين، مسيحيين كانوا أم مسلمين.