علي الدرواني
في إطلالته الأسبوعية، والتي يخصصها حول آخر التطورات في فلسطين المحتلة جراء العدوان الإسرائيلي المتوحش المدعوم من الغرب بقيادة واشنطن، بعث السيد القائد عبد الملك الحوثي عدة رسائل نابعة من القلب ومتوجهة إلى الضمير، ضمير قادة وزعماء وملوك ورؤساء وأمراء الأمتين الإسلامية والعربية وضمير شعوبهما وضمير العالم الإنساني، بين التنبيه والتحذير والتذكير.
عندما يتصدّى السيد عبد الملك الحوثي، وبشكل أسبوعي، لشرح مفصّل عمّا يجري في قطاع غزّة، وتداعياته الإنسانية والاقتصادية والسياسية ونتائجه العسكرية والأمنية، ويعرض تقريرًا مفصّلًا مدعومًا بالأرقام والإحصائيات الدقيقة، فهذا يشير إلى مسؤولية يشعر بها أمام الله، ويتحرك وفقًا للمنطلقات التي يذكرها في كثير من إطلالاته، وهي الدين والأخلاق والإنسانية والعروبة.
ينطلق السيد القائد ويقود شعبه العزيز، شعب الإيمان والحكمة، ليذكّر الأمّة بواجباتها تجاه شعب مظلوم هو جزء لا يتجزّأ من نسيجها البشري وأرضه من مقدسات الأرض الإسلامية ومن قاعدة القرآن الكريم.
في خطابه الأخير الذي اقترب من ساعتين، أشار قائد الثورة إلى أن الأمة طال سباتها بأكثر من الدُبّ في سباته الشتوي "وهذا الشيء مؤسف جدًا، والقرآن الكريم كشف لأبناء الأمة حقيقة أولئك الأعداء وما يكنونه من عداء شديد لهم وفي مقدمتهم اليهود قبل غيرهم"، مستشهدًا بقوله تعالى: "ها أنتم هؤلاء تحبونهم، ولا يحبونكم"، وبرر ذلك بغياب النظرة القرآنية وأخذ العبرة من الأحداث، مشيرًا إلى أن اليهود يحوّلون أطماعهم إلى "برنامج عمل يتحركون على أساسه، يتحركون وفقه في مخطّطاتهم في سياساتهم، في مؤامراتهم التي يستهدفون بها شعوبنا وأمتنا... يريدون أن يسيطروا على المنطقة العربية بكلّ ما فيها من الثروات الهائلة النفطية وغير النفطية، وأيضًا أهميتها الاستراتيجية المتعلّقة بموقعها الجغرافي المهم جدًّا، والذي يدركون هم أهميته أكثر مما يستوعب العرب أنفسهم أهميتّهم. هذا مؤسف جدًا".
في بداية خطابه، استخدم السيد إحصائيات العدوان، فعدد المجازر 2735 مجزرة، في ما بلغ إجمالي عدد الشهداء والمفقودين والجرحى والأسرى أكثر من 114500، بنسبة مئوية تكاد تصل إلى نصف عشر عدد سكان غزّة، مستعرضًا الجرائم بحق المستشفيات والمدارس والأحياء السكنية، مركّزًا على المجزرة الأخيرة البشعة التي استهدفت تجمعًا كبيرًا في شمال غزّة، شارع الرشيد، للحصول على المساعدات، فعاد كثير منهم أشلاء.. كلّ هذه المعطيات، يوظفها السيد القائد في استثارة الأمة، لأنها أرقام مهولة، لا يستطيع الضمير الحي أن يقف أمامها صامتًا، ويستغرب في الوقت نفسه، لماذا ما تزال الأمة في سبات الدببة؟ ما الذي ينقصها؟ يتحدث السيد عن الإمكانات العسكرية الهائلة لجيوش الأمة "كم لديها من جيوش وإمكانات تبعًا لذلك، طائرات ودبابات وعتاد حربي متنوع، كم إجمالي ذلك؟ بشكل هائل جدًا، بقية الإمكانات الإعلامية، الإمكانيات ضخمة، أين هو دورها في خدمة قضايا الأمة هناك"، ويستنتج أن هناك "اختراقًا حقيقيًا للأمة"، أدى الاختراق إلى السيطرة على القرار السياسي، فذهبت كثير من الأنظمة إلى اتّخاذ "قرار رسمي فيها بعدم اتّخاذ أي موقف عملي جاد لمناصرة الشعب الفلسطيني لمساندة المظلومين في غزّة".
هنا؛ يؤكد السيد أن المقاومة في غزّة لو حصلت على بعض الإسناد العربي، لتمكّنت من هزيمة العدوّ الإسرائيلي وحسم المعركة معه، مستدلًا بمجريات الحرب طوال خمسة أشهر، وعجز الصهاينة عن تحقيق إنجاز بالرغم من فارق الإمكانات الهائل، ولكن عدم حصول ذلك يعيد السؤال الكبير: "لماذا تظهر أمتنا مكبلة، هل هذه فعلًا أمة إسلامية، أمة محمد (ص)، هل يمكن أن يحصل هذا في أمة تقتدي به، وتصدقه وتتبعه؟ أين هذا من القرآن؟".
ربما يجيب على تساؤلات السيد القائد، وتساؤلات الأمة، ما نقله روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن التابع للمنظمة الإيباك الصهيونية في واشنطن، بعد جولة له في المنطقة، حيث أكد أن أحد كبار المسؤولين العرب قال: "إن "إسرائيل" تقاتل من أجلنا في غزّة، وإذا فازت، فسوف تنجح في هزيمة وكيل إيراني للمرة الأولى منذ أربعين عامًا"؛ هنا ينتفي استغراب التخاذل والصمت، بل يصبح السؤال: لماذا هذا التآمر؟
لم يتوقف السيد القائد عند أمتنا، بالرغم من تخصيصه جانبًا واسعًا لذلك، إلا أنه أيضًا توجه برسالة إنسانية، والعالم المتحضر اليوم، يضع الإنسانية على المحك بتخليه عن شعاراتها التي رفعها في العقود الماضية، الشعوب في أوروبا وأميركا، يجب أن تصحو ولا تنظر إلى أكاذيب الحكومات. ويلفت السيد إلى أن: "الحركة الصهيونية اخترقت الساحة الأوروبية منذ قرون اختراقًا كبيرًا، وحولت تلك الأطماع والأحقاد في الساحة الأوروبية وفي الوسط المسيحي إلى معتقد ديني ورؤية سياسية وبرنامج عمل لفئات واسعة".
الخطاب إذًا ليس موجهًا لجماهير أمّتنا، والخطر أيضًا ليس عليها فقط، وفي خطابات سابقة أشار السيد إلى أن الصهيونية تحرك الغرب عمومًا في صالحها، حتّى وإن تضررت مصالح شعوبها، وأميركا تعمل على توريط بريطانيا، وقد تضررت بالفعل، وهناك تقارير متطابقة تؤكد تداعيات الدعم البريطاني لإسرائيل على الاقتصاد، لا سيما بعد العدوان على اليمن.
في رحلته المنسقة لاستثارة ضمير الأمّة والعالم، يدعم القائد القول بالفعل، ويقول إنه يجب أن يتنبه العالم العربي الإسلامي والإنساني إلى حقائق الميدان، وتوضيحات البيان، يجدد التأكيد على استمرار العمليات اليمنية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، لاستهداف سفن ثلاثي الشر، ولا يغفل عن تنبيه الاتحاد الأوروبي الذي أرسل سفنًا حربية لما يسميها حماية الملاحة، وأنه لا مشكلة ولا قلق على السفن الأوروبية، ما لم تشارك في العدوان على اليمن، أو تقدم المساعدة والشحن للعدو الإسرائيلي.
يصل البيان مداه وهزة الضمير ذروتها مع إعلان مفاجآت تنتظر الأميركي ومعه البريطاني، مفاجآت يسبق الفعل فيها القول، ويخفي السيد مكانها، هل ستكون برًّا أم بحرًا؟ لكنّها فوق ما يتوقعه العدوّ والصديق، وستكون متسقة مع التحرك في بقية المجالات، وعلى رأسها التحرك الشعبي، والصوت المدوّي والمسموع في أنحاء العالم، بصوت واحد من ساحات اليمن، معنوياتنا عالية.