لطيفة الحسيني
إنه الثامن والعشرون من نيسان 2000. لم يكن التحرير قد تحقّق بعد. قبل الخامس والعشرين من أيار التاريخي، تكثّفت ضربات المقاومة التي آلمت الاحتلال جنوبًا وكذلك جيش العملاء. المعطيات العسكرية تُشير إلى تخبّط كبير في صفوف المُحتلّين وأعوانهم. كانت الصورة قد بدأت تتجلّى. الانكسار والخيبة يتغلغلان في جسد الصهاينة والعملاء.
بعمر الـ38 عامًا، القائد العسكري للمقاومة الحاج عماد مغنية يدرس خيارات التصعيد من أجل إجبار العدوّ على الاندحار سريعًا. القرار اتّخذ والهدف واضح ومُحدّد: تدمير الموقع اللحدي وإخراجه من الخدمة، تمهيدًا لانهيار كلّ نقاط تحصين العملاء وضرب قوّتهم المزمعة.
عرمتى كانت وُجهة مقاتلي حزب الله إذًا. الدوافع عديدة: إمكانية تكبيد العملاء خسائر جسيمة، المُحيط الجغرافي المُشرف على العديد من القرى خاصة أنه تابع لقيادة الفوج العاشر في اللواء الشرقي، الأهميّة الأمنية، فهو محميّ من مواقع بئر كلاّب والمثلث، و"شيار عازور"، التعزيزات العسكرية كالرادارات والأجهزة الإلكترونية الخاصة بالتشويش.
الحاج عماد حاضرٌ ميدانيًا في عملية عرمتى 2000
حلّ اليوم الموعود. استقرّ الحاج عماد ومجموعة العملية في حرج عرمتى، ولاصَق الموقع حتّى حفظه بقعةً بقعةً ودشمة دشمة. قبل الانطلاق، أوصى المُقاومين بضرورة إحداث تغيير دراماتيكي في عملهم العسكري، بحيث يتعدى تأثيره حدود الأداء المُعتاد، ليصلوا إلى اقتحام يقلع الموقع اللحدي.
من كان على دارية بتفاصيل العملية، كان يعرف أن الحاج عماد في ذلك اليوم لم يستسلم للنوم لحظةً. وصل ليله بنهاره كي يطمئنّ إلى إنجاز المهمّة بنجاح. تركيزه الأكبر عند الاستعداد للمهمّة، كان العودة بنصرٍ مُحتّم وطرد المُعتدين تحت النار، وتكريس قاعدة تقوم على أن المجاهدين قادرون على الوصول إلى أيّ موقع مهما كانت خطورته، والارتقاء بمستوى المواجهة والاشتباك.
ساعة الصفر حانت. تأكّد الحاج عماد من سلامة وجهوزية كاميرات الإعلام الحربي لتوثيق العملية. بدايةً، هاجم المقاومون الموقع بالأسلحة الصاروخية والقذائف المباشرة، ثمّ تقدّم المجاهدون وهم يصرخون "الله أكبر" وينادون أمير المؤمنين (ع) وأبا عبد الله الحسين، مُخترقين حقول الألغام والأسلاك الشائكة. ثم دخلوا الموقع بعد اشتباك مع حاميته. وبعد أن سيطروا بشكل كامل على الموقع وتجوّلوا داخل دشمه وتحصيناته بحثًا عمّن تبقى من عناصر العملاء داخله، عمدوا إلى زرع عبوات ناسفة كبيرة بداخله، وعند خروجهم وابتعادهم عنه فجّروه على رؤوس من بقي حيًّا.
ولأنّ العملية كانت استثنائية، عمل الحاج عماد على رفع مستوى الأداء العسكري. وللمرة الأولى، أدخل في مرحلتها النهائية الآلية المصفّحة والمُعدَّة للتفجير ليضمن القضاء على الموقع، وبالفعل استخدم المجاهدون "بيك أب" مُحمّلًا بثلاثة أطنان من المتفجرات. أحد المقاومين المُكلّفين برَكنه في الموقع ضغط زرّ التشغيل لينطلق توقيت العبوة الضخمة، لكنّ الآلية تأخّرت نحو 20 دقيقة حتّى تنفجر. طمأن الحاج عماد الذي كان ما يزال يُراقب سير العملية على مقربة من الموقع المصوّر في الإعلام الحربي إلى عدم وجود أيّ خلل، ليستمرّ في توثيق اللحظة. وبالفعل انفجرت الآلية وأصبح الموقع في خبر كان. انتهت العملية بمقتل كلّ منكان في الموقع من لحديين، ودُمّر حصنهم عليهم.
الحاج عماد أثناء التحضير لعملية عرمتى 2000
سلّح الحاج عماد مجموعة عرمتى بكثيرٍ من المعنويات العالية والروحية الإيمانية. كان بينهم الشهيد القائد وسام حسن طويل "الحاج جواد"، الشهيد حسين شلهوب (أسامة)، الشهيد حسام محمد علي (الحر)، الشهيد حسن عبد الله، إضافة إلى مجاهدين آخرين. آخاهم وشاركهم طعامهم وحمّلهم توصيات الظفر بلا تردّد.
يوصف قائد العملية الحاج عماد بأنه من القادة النادرين لما يحمل من سمات فطنة وإبداع وسرعة بديهة قلّ نظيرها، استثمرها في بثّ الرعب في صفوف الأعداء. هو "الرجل الثعلب" بحسب صحيفة "واشنطن بوست"، و"أخطر رجل في العالم" وفق "نيويورك تايمز"، و"الحاسم جدًا" بتقدير صحيفة ""يديعوت أحرونوت"". أسلوبٌ يمتلكه ويدفعه إلى اتّخاذ قرارات مؤثّرة ومفصلية. التكتيك الأبرز في مواجهته للحديين، كان التركيز على بثّ الرعب في صفوفهم.
في مرحلة ما قبل التحرير، أدار الحاج عماد حربًا نفسية أثبتت نجاعتها وكسرت عزيمتهم سريعًا. لاحقهم وهدّدهم وعمل على تصفية قادتهم وعناصرهم واحدًا تلو الآخر، ما أجبرهم على الاندحار والفرار. كان لقتل كبير العملاء عقل هاشم وقعٌ كبير ضرب 50% من قوّة اللحديين حينها.
أظهرت قيادة الحاج عماد لعملية عرمتى الأسطورية ثمّ عملية البياضة النوعية، وما تلاهما من ضربات متسارعة أن لغة النار هي لغة القوّة مع العدو. المباغتة الأمنية شكّلت القاعدة الأساس في منهجه العسكري، ولأجل ذلك طوّر ورفع وحسّن قدرات المقاومة في مواجهتها الدائمة مع العدو، حفظًا لها ولانتصاراتها وخطّها، كما أوصى سيّد شهدائها السيد عباس الموسوي.