إسماعيل المحاقري
المعركة في غزّة محتدمة.. وشرارة نيرانها تتسع وتتعمق فوق إحداثيات الإقليم، من جنوب لبنان إلى سورية والعراق وصولًا إلى اليمن، والذي يبلي حسنًا بعون الله وتأييده في مواجهة السفن البحرية والمدمرات الأميركية والبريطانية لتثبيت معادلة منع الملاحة التجارية الصهيونية في البحرين الأحمر والعربي.
لا ضعف ولا وهن، ولا تراجع في مسار الأحداث الميدانية، وعنصر الوقت ليس في صالح العدوّ الصهيوني، بالرغم من كلّ عمليات القتل والهدم والتهجير والإبادة الجماعية.
كذلك عنصر الردع الأميركي بدأ يترنح ويكاد يهوي إلى مكان سحيق على وقع سخونة الجبهات المساندة لغزّة، في مؤشر بالغ الوضوح بالفشل الأميركي في إدارة الصراع وتجاوز حقيقة الأخطاء الفادحة في الحسابات والتقديرات الاستراتيجية الأميركية.
الوجود العسكري الأميركي المكثف في البحر الأحمر لم يكن كافيًا لفرض الهيمنة المطلقة على طرق الملاحة التجارية، والإمساك بمفتاح باب المندب وقفله حتّى مع الاستعانة بالبحرية البريطانية، وقليل من الدول المنضوية تحت لواء ما يسمّى تحالف "حارس الازدهار".
المساحة شاسعة، وقدرات المسح الأميركي البريطاني محدودة، كذلك القدرات اليمنية في دقتها وفاعليتها تعمّق المعضلة الغربية وتقضّ مضاجع الصهاينة.
مسؤول عسكري أميركي قال لشبكة cbs عندما استهدفت المدمرة الأميركية USS غريفلي، الأسبوع الماضي في خليج عدن، إن المدمرة استخدمت لأول مرة نظام الإغلاق المصمم كآخر نظام "دفاعي" بعد اختراق صاروخ كروز من اليمن لكل الدفاعات الوسيطة واقترابه إلى مسافة ميل واحد مقارنة بـ8 أو10 أميال في هجمات سابقة.
والنظام هو مدفع رشاش آلي مصمم للاعتراضات قريبة المدى، وهو الخط الدفاعي النهائي عندما تفشل طبقات الدفاع الأخرى في اعتراض الصواريخ.
وللشبكة ذاتها؛ أقر قائد الأسطول الأميركي الخامس أن صواريخ اليمن ومسيّراته يمكن أن تضرب هدفها خلال 75 ثانية بمجرد إطلاقها، موضحًا أن المدمرات الأميركية لا تملك سوى ثوانٍ معدودة لاتّخاذ قرار التصدي للصواريخ والمسيًرات اليمنية.
ولاستخدامه صواريخ باليستية في قصف السفن وفقًا لقائد الأسطول الخامس، فإن اليمن يقلّص خيارات واشنطن ضمن عملياته المكثفة والأطول على أساس ثابت منذ الحرب العالمية الثانية.
نتيجة للمتغيرات التي تشعل منطقة الشرق الأوسط ونتائجها التي لا تخدم المصلحة الأميركية ولا تحقق أهدافها، اتجه البيت الأبيض للبحث عن وسائل أخرى لوقف العمليات البحرية اليمنية ضدّ السفن الإسرائيلية، أولًا عبر مسار السياسة بالتوسط بالصين والمسار الآخر عبر مساعي توريط الأوروبيين للمشاركة العسكرية في عمليات حماية السفن الإسرائيلية والسماح لها بالمرور من باب المندب الاستراتيجي.
ومن الدول التي رضخت للسياسة الأميركية الدنمارك بإعلان إرسال فرقاطة إلى البحر الأحمر لمساندة القوات الأميركية البريطانية، وكذلك الاتحاد الأوروبي أعلن عن إطلاق مهمته الخاصة في مرافقة السفن في البحر الأحمر من دون المشاركة في الاعتداءات على اليمن.
مرافقة الأوروبيين لسفنهم جنوب البحر الأحمر لن يضطر اليمن للاعتراض، فحتى من دون تحشيد القوّة الطريق سالكة أمامهم للوصول إلى موانىء فلسطين المحتلّة.. غير ذلك؛ من الواضح أن كرة اللهب ستكبر وسيكتوي بها الأوروبيون في أمنهم واقتصادهم أكثر من غيرهم حينها لن تنفع عملية "أسبيديس" أي "الحامي" إذا ما كان من مهامها حماية التجارة الصهيونية.
إلى الآن؛ لا نتائج تُذكر لناحية تحقيق الردع الأميركي المطلوب في البحر الأحمر ولن يتغير شيء في قادم الأيام والأسابيع؛ بل إن العسكرة الغربية لطرق الملاحة الدولية تدفع المزيد من السفن للمرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح.
في هذا السياق، علّقت المجموعة الفرنسية "CMA CGM" عبور سفنها جنوب البحر الأحمر ما يعطّل الطريق الرئيسي للتجارة البحرية بين آسيا وأوروبا بسبب المخاطر الأمنية المتزايدة.
تغيير مسارات شركات الشحن الكبرى لا يعني بالضرورة القلق من المخاطر والمخاوف الأمنية، فأميركا تضغط في هذا الاتّجاه لكسب التأييد الدولي وشرعنة أنشطتها العسكرية العدائية.
وخلف زوايا التحشيد الأميركي والاعتداءات المتكرّرة على اليمن شواهد واضحة وجلية على الفشل في حماية السفن الإسرائيلية فتضطر البحرية الأميركية على وقع العمليات اليمنية للانتقال بمهام سفنها العسكرية ومدمراتها من حماية السفن إلى المشاركة في عمليات إطفاء حرائقها وإبعادها عن خطوط النار كما حدث مع السفينة البريطانية التي ظلت تحترق من ليل الاستهداف إلى الليلة التالية.
حلحلة الأزمة في البحر الأحمر يسير، وفي متناول المجتمع الدولي، ويتمثل بوقف العدوان على غزّة ورفع الحصار، غير أن الغطرسة الأميركية أحدثت انقسامًا عالميًا يحول دون معالجة الأزمة من جذورها ويهدّد باتساع رقعة الصراع. ومن تداعيات هذه السياسة ارتفاع أسعار الشحن الجوي بنسبة 6 إلى نحو 9 في المئة خلال الأسبوع الماضي.