سامر الحاج علي
ربما كان يتوجب على المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل أن ينفي ما أسماه "ادعاءات" حزب الله باستهداف منظومة حربية في أحد مواقع العدوّ عند حافة لبنان، بصاروخ جديد بث الإعلام الحربي مشاهد انقضاضه على قبة تجسسية في موقع جل العلام قبل أيام، أن يراجع السجل الطويل من الصدمات النفسية التي تعرضت لها قيادته بعد ادعاءات مشابهة حاولت بثها طوال عقود من الزمن، بعد اعتمادها الأسلوب نفسه والذي أثبت فشله في مواجهة آلة الحرب الإعلامية التي يتقن حزب الله الكثير من جوانبها وفنونها.
الحكاية لم تبدأ في عملية موقع جل العلام، ولسنا في وارد أن نغوص الآن في السجل الطويل من العمليات التي كان العدوّ دائمًا ينفي تنفيذها قبل أن تعود المقاومة الإسلاميّة وتبث مشاهدها وتوقع العدوّ في مصيدة الانكشاف أمام الرأي العام في الكيان وخارجه، من فترات الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان إلى معركة طوفان الأقصى، وآخرها ما أرادت المقاومة ربما أن تعيد تأكيده من خلال بث مشاهد استخدام صاروخ من نفس النوع لاستهداف قبة تجسسية في موقع رأس الناقورة البحري مساء الأحد، والتي حاول العدوّ أيضًا نفيها والتأكيد على أنها مجرد دعاية من جانب حزب الله، فجاءت المشاهد التي بثها الإعلام الحربي على هيئة صفعة جديدة، تزيد من حجم التخبط والإرباك في صفوف الجهة نفسها التي كانت تحاول أو توهم قيادتها ومرتزقتها من مستوطنين وجنود، أنها تملك زمام الأمر في مواجهة الحرب التي تخاض عند الحدود الشمالية لفلسطين المحتلّة.
ربما حاول العقيد أدرعي بعد ادعاءاته أن يهيئ أرضية تثبت ما يقول، خاصة وأن الهدف الذي تم تدميره في موقع جل العلام لا يمكن رؤيته من الأراضي اللبنانية، لوجود الجدار الإسمنتي الذي سبق ورفع العدوّ فوقه سياجًا لحماية منظوماته من النيران الموجهة والمباشرة التي قد تطلق من لبنان، ما يعني أن الحصول على صور ومشاهد للهدف بعد تدميره هو أمر غير ممكن من المرتفعات المقابلة للموقع المذكور، إلا أن هذا الأمر لا يمكن تحقيقه في موقع رأس الناقورة البحري الذي كنا قد حضرنا له صورًا ومشاهدَ قبل بدء الحرب في الجولات التي كنا نصل فيها إلى الحافة تمامًا، والصور يعرضها موقع العهد الإخباري، ويكشف معها صورة للمنظومة المدمرة بعد إصابتها بصاروخ المقاومة، ولتكلم العقيد الذي يفقه بإتقان لغة التضليل ونشر الأكاذيب بطريقة منظمة، عن سبب تدميرها خاصة وأن مشاهد إصابتها واضحة وضوح الشمس.
إذًا، ثبت كذب العدوّ مجددًا، ولكن ما يحاول قادة الاحتلال إيصاله من خلال هذه الأكاذيب لا يخفى على المتابعين للجبهة الجنوبية والعارفين بتفاصيلها، فأدرعي الذي يسعى كجزء من منظومة الجيش الذي أعيدت مواقعه عند حدود لبنان إلى العصر الحجري، إلى إقناع المستوطنين بالعودة إلى مستوطنات المنطقة الشمالية لفلسطين المحتلّة بشتى الطرق، تارة ببثه دعاية مبتذلة حول تدمير البنى التحتية للمقاومة، وتارة بتنفيذه هجمات استباقية لمنع العمليات وإطلاقات الصواريخ، لم ينجح حتّى اللحظة في مسعاه، وهو يهدف من خلال مساعيه الجديدة أولًا إلى التشويش على إنجازات المقاومة الإسلاميّة على الحدود في مقابل النكبة اليومية التي تتعرض لها فرقه المنتشرة هناك، وثانيًا إلى أقناع قيادته بأن ما يملكه حزب الله من أسلحة وتجهيزات يهدّد بها كيان الاحتلال غير قادرة على التعامل مع التكتيكات التي يعتمدها الجيش أو تحقيق أي إنجاز جديد، وثالثًا إلى بث روح الثقة في المستوطنين للعودة إلى مستوطناتهم "الآمنة" على حد تقديره، فور السماح لهم بذلك، وربما يمكن وضع فرضية رابعة وهي زرع روح القدرة على تحقيق إنجاز بري لدى قيادة جيش الاحتلال من خلال الإقدام على مناورة وإن كانت لبضع مئات من الأمتار داخل لبنان، إلا أن هذه الفرضيات تبقى مجرد أمنيات تدور في عقول قيادة العدو.
فإنجازات المقاومة مؤكدة ومحققة ويعرفها العدوّ عن ظهر قلب، ناهيك عن أنها مصوّرة وتُبث يوميًا على شاشات التلفزة ومواقع التواصل وهي التي تمنع المستوطنين من العودة إلى الشمال خوفًا من "طوفان الجليل" على غرار "طوفان الأقصى" في أي وقت تراه المقاومة الإسلاميّة مناسبًا، أما تجهيزاتها وترسانتها التي كشف منها القليل القليل فمتروكة لزمانها المناسب. وفيما خص زرع روح القدرة على تحقيق إنجاز لجيش الاحتلال فحالها كحال الرغبة في القتال، تلك التي سُلبت على أعتاب القرى الجنوبية في تموز 2006، ومن وقتها صارت حلمًا صعب المنال لكيان لا يملك الآن سوى اتّخاذ قرار من اثنين: إما الرضوخ لواقع الأمر في انتظار هزيمة مؤكدة لا لبس فيها في مقابل حزب الله، أو فتح مسارات الرحيل للمستوطنين ومعهم العسكريون إلى مواطنهم الأصلية، قبل أن تضيق بهم طرق الهروب، ولا تنفع حينها الاستعاذة من شرور ما وهب الله من قوة وُضعت في يد رجاله. والفلق الذي صب حممه على تحشدات جنود الاحتلال في الأيام الأخيرة، ليس إلا أول الغيث القادم!