رباب تقي
تلبّدت الغيوم بكثافة.. أنبأت بمطر هاطل.. بعاصفة قارسة..رعدت السماء، فكان النّداء.. حيّ على طريق القدس.
كان البرق ينبع برعدٍ جبّار.. برقٌ صدر من جنوب لبنان على حدوده مع فلسطين المحتلّة.. برقٌ أضاءه سراج من ضوء العزّة، أصله جباعيٌّ وقدره ياحونيّ.. وما بينهما تسليمٌ بقضاء الله وأمنية بالشهادة، وسباق للقاء الأحياء عند ربّهم.
وكان الخبر البارق.. فجر الثالث والعشرين من شهر تشرين الثّاني/ نوفمبر ٢٠٢٣؛ غارةٌ صهيونيّة تستهدف منزلاً في بلدة بيت ياحون جنوب لبنان. استشهد خلالها خمسة أقمار: الشهيد خليل جواد شحيمي "سراج" من بلدة مركبا، الشهيد أحمد حسن مصطفى "ملاك حولا" من بلدة حولا، الشهيد محمد حسن أحمد شري "كربلا" من بلدة خربة سلم، الشهيد بسام علي كنجو "أبو حسين ثائر" من بلدة شقرا، والشهيد عباس محمد رعد "سراج" من بلدة جباع، نجل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب الحاج محمد رعد.
فكان الرّعد الصّاعق: بسمة مشرقة على وجه جبل رأى أن الأفضليّة أن تقدّم كتلته "الوفاء للمقاومة" شهيداً بشخص رئيسها، "هو"، فلبّت الملائكة من خيفة الرّحمن الطّلب.. وجاء سماويّاً من وحي إبراهيم بكبش عظيم.. عباس نجل النائب محمد رعد، شهيدٌ "قَصد، فوَصل".
هكذا نعمه والده مبتسماً "وإذا كنتُ أعتب فلأنّه سَبَقني وكان أشطر منّي وأسرع منّي، وليتقبّل الله أعماله وشهادته ويبيّض وجهه كما بيّض وجوه كلّ عوائل الشّهداء، وكلّ المجاهدين في هذه المسيرة الجهاديّة الّتي تقاتل في سبيل الله، من أجل رفع الظّلم".
سبقه ليعلم أهل السموات بالعشق النقي، وبتوق اللقاءات مع أهل الجنان. سبقه ليلقى هادي.. نجل الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله.. الأب الذي حدّد معادلة الأبناء في الحزب: " نحن في قيادة الحزب لا نوفّر أبناءنا للمستقبل نفخر بأولادنا عندما يذهبون للخطوط الأمامية، ونرفع رؤوسنا بأولادنا عندما يسقطون شهداء".
سبقه، لينقل له مشاعر الفخر والاعتزاز والكرامة من الأرض إلى الحياة الحقيقية.
فكيف كان اللقاء يا سراج؟
حبيب يلقى حبيبه.. وابن نائب يرى ابن الأمين، فكلاهما قد لفّا بالعلم الأصفر وحفظا نهج أهل البيت عليه السلام وأبيا إلّا أن يكونا بطلا الجهاد ضد الغطرسة الصهيونية.
شرف يليه شرف، ونور على نور هدا الله لنوره فلذة كبد السّيد نصر الله وبعده نجل الحاج رعد والقافلة كانت من قبل ولا تزال تسير.
نحن نحزن لفراق أحبّتنا نعم، لكنّنا نبتسم فخراً وعزّة وإباء بمن اختارهم الله أصفياء.. نحن نبتسم حزناً على تأخّر الاختيار.. ونبتسم فرحاً لعظمة المكرمة الإلهية.. نبتسم لأنّه كان لنا دور في الميدان ونبتسم لأنّنا أبناء الرّضوان.. نعم، نبتسم.. وسنظلّ نبتسم.. فهناك الآلاف الآلاف ويزيدون..ينتظرون فلا يبدّلون، يبتسمون ويبتسمون، ألا إنّ الله رمى.
نبتسم فنحن أبناء الشيخ راغب حرب والسيد عباس الموسوي.. نبتسم لأنّنا ماضون على هذا الدّرب بنداء مريم والزّهراء.. نبتسم لأنّنا تشرّفنا بأن نكون من عوائل الشّهداء، مِن مَن يتقبّل التّهنئة بالتّشريف الإلهي، ونحن نحزن لأمرٍ واحد فقط، لأنّهم كانوا سريعين.. وسبقونا.