(إلى المرحومة الحاجة أم كامل سمحات: أسأل ولا أنتظر جوابا!)
منهال الأمين
لا داعي أن اعرف إسمكِ. حسبي أني عرفتكِ، عاملية الهوى، فأنت إذًا انتِ. لست "غنية عن التعريف"! فالعامليات ظلمهن قصر النظر طورًا، و"لا إنصاف" ذوي القربى أطواراً وأطواراً، وهو أشد وأقسى. ذات صباح تموزي في غير موعده، هل نظرت إلى عدسة الكاميرا؟ أشك. أظنك لم ترينها، ساعة وصلتِ الضاحية. قلتِ: "المهم أنني وصلت. والمهم أكثر، ان هنا أرضًا أقف عليها". لم تحضّري كلماتك، ولم ترتجلي. لم تستجمعي قوة مشتتة. لم تستمهلي أحدًا. لم تستأذني. لم تعرفي بعد، أين ستنامين ليلتكِ تلك. استشهدت الحياة من حولك، ولا تحسبينها انت ميِّتة. لم يخرجك الدمار عن طورك. لم يتمكن منك الركام، وكذا الغبار لا يشوّش أمامكِ الصورة. أسأل نفسي:"ألم تستعظمي ما جرى. بيت في الجنوب، وبيت في الضاحية؟ تهجير وتشريد وضياع؟ دمار وأشلاء؟ غربة قاسية؟". لم تفكر قطعًا بالتعويض. لا شيء يعوضكِ، صبرك وتعبكِ وقهركِ. غدر العدو، وطعن ابن البلد.
عالم متوثّب بقضه وقضيضه، والهدف انتِ. روحك العاملية مستهدفة. أحجارك المجبولة بالعرق، تؤرقهم. ألم يسأل احد نفسه: من أين أتيتِ؟ ماذا كنتِ؟ كيف جار عليكِ، أهل الزمان، لا الزمان ولا المكان؟ كيف طوّعتِ الاهمال والحرمان والجفاء؟
نموذج انتِ، يُراد له ان يمل إنتاج الأمل. لا مديح أدبّجُه فيك، وقد لمّعت صورة وجعنا، و"جوهرت" مشاعرنا. تسمّرنا امامكِ، تتمثلين لنا في مخيلة كل صباح. سنظل نذكرك حين نتألم وحين نفرح، حين نرفع منازلنا وحين يقصفونها، حين نمشي على الركام، وحين نتنزه في ربوع خضراء. حين يعترضنا القهر، سنقول لأنفسنا: حسبنا أنتِ... لا املك ان اختم حديثي عنكِ ومعكِ. أم كامل: عامر بكِ الجنوب، جميل بكِ الوطن.