أكَّد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بمناسبة الذكرى الثلاثين لانطلاقة المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، أن الحزب يؤمن بأن الإنجازات هي نتاج الجهود الجماعية المباركة.
وبعد أن توجه السيد نصر الله بالشكر إلى كل الإخوة الأعزاء الذين تعاقبوا على مسؤولية هذا المركز، وإلى كل الإخوة والأخوات الذين عملوا في هذا المركز على مدى ثلاثين عامًا، اعتبر أن حزب الله، منذ البداءة، كان ولا يزال يريد أن يعمل على أساس علمي ومتقن.
ولفت سماحته إلى أنَّ "المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق هو أحد المواقع المشرقة والمؤثرة. والشهادات التي سمعناها نعتز بها، وتزيدنا ثقة وأملًا وإصرارًا على مواصلة العمل".
واعتبر أنَّ حزب الله اهتم قبل 30 عامًا بالشأن الحياتي رغم انشغاله الميداني الكبير بالمقاومة والتحديات التي كانت سائدة حينها.
وأشار السيد نصر الله إلى أن صلة الوصل بين قيادة حزب الله وبين كل هذه العقول والمبادرات هو المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، مضيفًا: "نحن أردنا لهذا المركز منذ البداءة أن يكون مركزًا علميًّا فكريًّا، تقديريًّا، رؤيويًّا ملتصقًا بالوقائع على الأرض والميدان".
ورأى أنَّ المركز الاستشاري "كان ولا زال السند العملي والحقيقي لهيئاتنا القيادية ووحداتنا وملفاتنا المختلفة، وهو المكان الذي يمدنا بكل ما نحتاجه على مستوى الدراسات القانونية، النقدية، المالية، الإدارية، والدراسات السياسية الاستراتيجة".
وأضاف سماحته: "قلنا للإخوان إن مسؤوليتهم تبيان الصورة الحقيقية في الخارج، من صعوبات ومعطيات مؤلمة، وليس ما يُفرحنا. وعندما نتحدث عن حلول من أجل التطوير والنهوض والمعالجة نبحث عن السبل في الإمكانات المتاحة"، مبينًا أنَّه يجب الاستفادة من كل العقول الموجودة، فطالما هناك عقل علمي وفكر وتخصص، يمكن الاستفادة منه، يجب الاستفادة منه.
وأوضح السيد نصر الله، أن الهدف أيضًا كان تقديم أفكار واقتراحات ورؤى وخطط وبدائل، بالاستناد إلى كل التجارب الإنسانية والبشرية السابقة.
وأردف قائلًا: "عندما درست قيادة حزب الله اسم المركز الذي صار مركزًا علنيًّا منفتحًا على كل الشرائح اخترنا اسمًا عامًا لتسهيل العمل والتواصل"، لافتًا إلى أن ما أنتجه المركز، دائمًا ما كان يتم استثماره على نحو كبير داخل حزب الله ومؤسساته وأطره.
كما بيَّن السيد نصر الله أن من يقف خلف كتلة الوفاء للمقاومة، ككتلة معنية بالنقاش، "في الكثير من الدراسات والنقاشات والملاحظات هو المركز الاستشاري".
السيد نصر الله: الحصار الأميركي يُترجم عبر منع الدولة اللبنانية من قبول الهبات
وتطرق الأمين العام لحزب الله إلى الوضع الاقتصادي، معتبرًا أن الكل في لبنان مجمع على صعوبة الوضع الاقتصادي، فلا أحد يناقش ما إذا كان الوضع صعبًا في لبنان أم لا، والأمر ليس استثنائيًّا بالنسبة للبنان، إذ هناك العديد من البلدان التي باتت مهددة بالانهيار".
وفي السياق، اعتبر السيد نصر الله أن اليأس مرفوض وغير جائز، مؤكدًا أن هناك محاولات حثيثة لإشاعته في البلد. كما اعتبر سماحته، أن هذا الأمر خطير جدًا، فالأمل ضروري ومهم، بالرغم من كل ما يُشاع. وعلى الجميع تحمل المسؤولية، من دولة، وشعب، ومجتمع.
وبموازاة ذلك، أشار سماحته إلى أنَّ البقاء بحالة تخبط، كما الحال في السنوات الماضية، لم يعد مقبولًا. وفي مكان ما، على السلطة أن تبادر لوضع رؤية لمعالجة الوضع الاقتصادي، وعلى أساسها توضع خطط وبرامج تستند لرؤية كاملة ومتقنة، مؤكدًا أنَّ الوصول إلى الرؤية يحتاج إلى دراسة الأسباب، ولتنفيذها يتعيَّن استخراج الأسباب الواقعية والحقيقية.
كما لفت السيد نصر الله إلى أنَّ الفساد كان متجذرًا في الدولة منذ وقت طويل، ولو أن كل طائفة قدمت أفضل ما لديها من عقول وخبراء لتتولى المسؤوليات الإدارية في الدولة لما كنا وصلنا إلى هذه المرحلة.
كما أوضح أن "أحد أهم أسباب الأزمة هو خطأ الرؤية الاقتصادية في التسعينات، وبعض السياسات الاقتصادية الفاسدة والمفسدة، والتي كانت مواقفنا واضحة منها في مجلس النواب، وأولها الاستدانة"، مبينًا أنَّ الأخطر هو ضرب الإنتاج، والبحث عن الربح السريع، ما حول اقتصادنا إلى اقتصاد هش. وبيَّن سماحته أيضًا أن من بين الأسباب هو المحاصصة الطائفية في المشاريع، وغياب الإنماء المتوازن، وتبعات الحروب الداخلية، وإعادة الإعمار وملف المهجرين".
وأسِف السيد نصر الله من أن البعض يتحدث عن عدم وجود حصار، مبيِّنًا أنَّ الحصار لا يكون فقط بنصب بارجة حربية قبالة الشواطئ اللبنانية، بل يكفي سلوك الإدارة الأميركية مع السلطة اللبنانية.
كما بيّن سماحته أنَّ الحصار يُترجم بمنع المساعدات والودائع والقروض من الخارج، وبمنع الدولة اللبنانية من قبول الهبات وقبول الاستثمارات، ومنع لبنان من معالجة ملف النازحين السوريين، معتبرًا أن مجموع العوامل هذه وغيرها يؤكد وجود جملة من الأسباب أوصلت البلد إلى ما هو عليه اليوم.
السيد نصر الله: لبنان يحتاج إلى دولة شجاعة لا ترضخ للعقوبات
وفي ما خص الشأن الداخلي، لفت السيد نصر الله إلى أنَّ الرهانات الخاطئة لدى البعض، والتي كانت تصب بمجملها في خانة واحدة، تفيد بـ "أن المنطقة متجهة نحو تسوية النزاع مع الكيان الصهيوني، هو ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. فعلى من يريد وضع سياسات اقتصادية جديدة أن لا يبني رؤيته على أساس التسوية الموهومة". وأعاد سماحته التأكيد على أن حل الدولتين غير وارد، "خصوصًا مع الحكومة الجديدة الصهيونية الفاسدة والإرهابية".
وتابع القول: "لا تسوية مع سورية. وما جرى في سورية هو إحدى المحاولات لتركيب نظام سياسي يعطي الجولان للكيان الصهيوني"، معتبرًا أن الوضع في المنطقة متجه نحو مزيد من التوتر، فلا تسويات، ولا مشاهد سلام، وهو ما سوف يزيد من تعقيد الأمور في منطقتنا.
وشدَّد السيد نصر الله على ضرورة ألَّا "نعتمد على الموقع المميز، فهناك دول منافسة بالسياحة، وتسهيل قطاع الخدمات، والشركات والمصرفية. وعلينا العمل على اقتصاد يؤمن أمن غذائي، لا يعتمد على المعونات الخارجية والمساعدات".
وأردف سماحته القول: "لدينا الأمن، ونسبة الأمن الداخلي عندنا متقدمة حتى عن الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بفضل الجيش والقوى الأمنية والوعي السياسي، إذ لا يوجد طرف يريد حربًا أهلية إلا القلة".
وبالنسبة لملف الغاز، رأى أنَّه أحد أسباب القوة، باعتباره ثروة هائلة في بحر لبنان. والدليل ما نشهده من اكتشافات للنفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط، مشيرًا إلى أنَّ القرار الأوروبي اليوم حاسم في ما خص "الاستغناء عن الغاز الروسي، وأولويته هي في البحر المتوسط لأن تكلفته عليه أقل، ولذلك علينا البحث عن شركات للاستفادة من ثروتنا الوطنية".
كما أوضح السيد نصر الله أنَّ "من نقاط القوة الأساسية في اقتصادنا هم المغتربين الذين ما زالوا إلى اليوم أهم مصدر مالي لعيش اللبنانيين. وهم يتعرضون في الوقت الحالي للخطر والمضايقة والاعتداء الأميركي، من خلال وضع تجار وأغنياء كبار على لوائح العقوبات بتهم ظالمة، وهذا يحتاج إلى حماية الدولة التي مع الأسف "ما عم تعمل شي"".
وأكَّد وجوب "العمل على كل القطاعات المنتجة" فلبنان بمقدوره أن يعود "المستشفى الأولى، والوجهة السياحية الأولى، والجامعة الاولى في المنطقة".
وأضاف سماحته أنَّ لبنان يحتاج إلى دولة شجاعة لا يرضخ كل من يتحمل المسؤولية فيها أمام الضغوطات والعقوبات، وهذه هي السيادة في القرار، إذ يجب أن يكون لدينا الشجاعة والاستعداد للتضحية في مواجهة العقوبات، وفي قبول الهبات، وأن تكون لدينا جرأة لنقول للصيني "تفضل"، متسائلاً: "لماذا مسموح لدول في العالم الاستثمار مع الصين بينما لبنان ممنوع؟".
وتابع: "نحتاج إلى جرأة في التعامل مع ملف النازحين، وأن نخرج من اتهام الناس بالعنصرية، فهذه أزمة يعاني منها كل اللبنانيين، ويمكننا إيجاد حلول كريمة للنازحين".
السيد نصر الله: لماذا وضع الدول الملتحقة بالركب الأميركي متردٍّ؟
وبالعودة إلى الشأن الدولي، قال السيد نصرالله: "كُثر ينظّرون قائلين: إذا وافق لبنان على إنهاء الصراع مع "إسرائيل" فإن كل شيء سيتم حلّه. أدعوكم إلى مراقبة الوضع في مصر، أول دولة أقامت سلامًا مع العدو الإسرائيلي. مصر كان لديها أفضل العلاقات مع الأميركيين والسعوديين"، وهي تحت عباءة صندوق النقد الدولي، فهل لنا أن نسأل، ماذا عن وضع مصر في الوقت الحالي؟
وتابع الأمين العام لحزب الله قائلًا: "دول محور المقاومة تعاني، لأنها ترفض الخضوع لأميركا، ولكن باقي الدول تسير في الركب الأميركي، ومع ذلك فإن وضعها ليس أفضل حالًا.. ترى لماذا؟ لأن قيام دولة قوية في المنطقة أمر غير مصرَّح به أميركيًّا".
السيد نصر الله: السنوات الست المقبلة مصيرية
وحول ملف الرئاسة، بيَّن سماحته أنَّ "السنوات الست المقبلة مصيرية، وإذا أكملنا بالطريقة نفسها، فإن البلد ذاهب إلى الانهيار. هذا إذا لم نكن قد وصلنا إليه فعلًا"، ثم قال: "بدنا رئيس إذا نفخوا عليه الأميركيين ما يطير من قصر بعبدا على البحر المتوسط".
وتابع: "نريد رئيسًا للجمهورية شجاعًا مستعدًّا للتضحية، ولا يهمه تهديد الأميركيين. وهناك نماذج موجودة، كما نبحث عن حكومة ومسؤولين من هذا النوع"، ذاكرًا أنَّ "القوى التي تسمي نفسها سيادية تعرف بالتدخلات الأميركية، ومع ذلك تصمت صمت أهل القبور".
وختم السيد نصر الله قائلًا: "هناك آمال ونقاط قوة كبيرة. واللبنانيون قادرون على النهوض، ويحتاجون إلى الإرادة والخطة الصحيحة والجدية في العمل".
لمشاهدة الكلمة كاملة اضغط هنا