هدى محمد رحمة
ما أكرمك سيدي يا حسين! تطعمنا وتسقينا طيلة أيام عاشوراء وأنت الذي قتلت عطشاناً!
لا تحتاج للإذن أو الإستئذان، تحمل ما طاب لك وتمشي. حتى لو لم تكن جائعاً أو عطشاناً، وحتى لو لم تقترب، هم يركضون إليك، وبأيديهم ما لذ وطاب، وهم الممتنون لك إن أخذت منهم.
هو حب آل بيت محمد الأطهار، هو حب سيد الشهداء الذبيح العطشان، صنع كل هذه المضائف، هم الوسيلة إلى الله، وما كان لله ينمو.
صنوف الطعام والشراب واسعة ومتنوعة، فيها ما تشتهي الأنفس، من الأكلة العاشورائية الهريسة، إلى الأرز باللحم والدجاج والقلوبات، إلى الحلويات من القمح بالحليب والأرز بالحليب والمغلي والراحة بالبسكويت وغيرها، ومختلف ألوان الفاكهة والعصائر والشاي والقهوة.
لا حصار إقتصادي يؤثّر في حب الحسين، لا أزمة مادية ولا خناق إقتصادي يثني عشاق الحسين عن البذل في سبيل حبه.
أرادوا تجويع شعب المقاومة، فكانت ضاحية المقاومة ومناطقها مثل "بوفيه مفتوح"، في كل شارعٍ طاولات ممدودة بالطعام والشراب. في عاشوراء لا طوابير خبزٍ على الأفران، ولا بيعٌ بأسعار السوق السوداء، بل توزع ربطات الخبز مجاناً للمارة.
على حب الحسين لا تحتاج لأن تكون غنياً بالمال، أو أن تملك رأس المال، كفايتك هو هذا الحب. حتى في الأحياء الشعبية، بذل المتعففين العاشقين ما يملكون لأجل هذا الحب. ولو في ظل غلاءٍ معيشيٍ طال كل السلع. الفقراء والأغنياء على حدٍ سواء كانوا مدعوون على مائدة الحسين عليه السلام طيلة أيام عاشوراء.
المشاهد على الطرقات تذكرك بمشاهد المواكب على طريق المشي من النجف إلى كربلاء في مسيرة الأربعين، أصوات اللطميات، الشاي، القهوة، أكواب الماء البارد - خصوصاً في الكوب البلاستيك المغلق الذي أول ما رأيناه في العراق في الأربعين-، الفاكهة، الإصرار على العطاء، البخار المتصاعد من الطعام، النار الموقدة تحت طناجر الطعام الضخمة.
وما أجمل أسماء المواكب! وما أجلّها! وهي تحمل أسماء أبطال كربلاء، وأسماء أصحاب الإمام الحسين عليه السلام في هذا الزمن. ومن يخدم بها، هم عوائلهم، عوائل الشهداء وأبناءهم. ما أجملهم وهم يتسابقون للعطاء!
حتى للمارين بسياراتهم، هناك من ينتظرهم في منتصف الطريق ليناولهم الضيافة. وللأطفال أيضاً نصيبهم الخاص من المواكب، فلهم مشترياتهم وما يشتهون.
هناك في كربلاء، العطش والجوع والرعب واليتم والقتل والدم والظلم والدمع، هنا في الضاحية، كما في الجنوب والبقاع، الأمن والأمان والعز، لأننا أبناء ذاك الإمام الذي بذل دمه ليستقيم هذا الدين. ولأننا أبناء الخميني الذي قال أن كل ما لدينا هو من عاشوراء، كل هذا العطاء والعز والفخر والكرامة شربناه من مدرسة كربلاء حتى صار هو الذي يجري في عروقنا. ولأننا أبناء حامل راية الحسين عليه السلام، حفيده، حفيد سلالة الأطهار، سماحة الأمين على الأرواح السيد حسن نصر الله الذي قال هذا العام "أشكر الذين أقاموا المضائف بشكل متقدم هذا العام، وأقول لهم سترون بركة إنفاقكم في أموالكم وبيوتكم وأرزاقكم إن شاء الله".