لطيفة الحسيني
أربعون عامًا وشعب المقاومة حاضنٌ ومؤيّد للجهاد والدفاع عن الأرض. بين الانطلاقة الأولى ودحر العدو عمرٌ من الدعم. لا تردُّد يحول دون المبادرات. الهدف واضح ومحدّد: عطاءٌ في سبيل الحرية وبذلٌ لحفظ الحقوق.
سنواتٌ قليلة على انطلاقة المقاومة الإسلامية، العمليات العسكرية تشتدّ. المواجهة الى تصاعد تدريجي. في الصورة سعيٌ وجُهدٌ يرفدان المقاومين في مواقعهم. الكلّ يريد أن يتحوّل الى عضدٍ لهم، لا بل الى شريك لانتصاراتهم المُتلاحقة وضرباتهم المؤلمة للصهاينة.
منصف الثمانينيات تكثّفت الاعتدءات على أبناء الجنوب والبقاع الغربي . جمعٌ من الفعاليّات الاجتماعية قرّر ألّا يقف مكتوف الأيدي، فاجتمعوا في بلدية الحلوسية أثناء الاعتصام الشهير الذي استمر نحو ثلاثة أشهر استنكارًا لاعتقال مجموعة من العلماء والإخوة بينهم سماحة الشيخ عباس حرب رحمة الله عليه وشكّلوا ما عُرف يومها بـ"لجنة دعم المقاومة الإسلامية في الجنوب والبقاع الغربي" (الصورة)، ومنهم الحاج علي حرقوص والحاج عبد الحليم عطوي والحاج علي زريق والحاج عبدالله الزين والسيد أبو حسن زلزلي، والتحق فيما بعد الحاج محمد برجاوي والشهيد محمد بجيجي.
لاحقًا ومع تطوّر العمل وزيادة الأعباء وتحمّل كل أخ من المؤسّسين الأوائل لمهام جديدة، استكمل سماحة الشيخ حسين كوراني والسيد قاسم الطويل والسيد نبيل مرتضى والحاج حسن نعمة والحاج أبو عصام أشمر والحاج حسين الشامي عمل اللجنة، الى أن تحوّلت إلى هيئة مُرخّصة سعت لتقديم تجربة جديدة مع تصاعد التأييد الشعبي لعمليات المجاهدين التي كانت تؤتي ثمارها يوميًا في ذلك الوقت، ولتُقنع الناس بالقدرة الفعلية على مُحاربة العدو عبر التوكّل على الله والاستعداد والتجهيز المناسب.
مديرة الأنشطة النسائية وعضو الهيئة الإدارية في هيئة دعم المقاومة الاسلامية الحاجة أم مهدي بدر الدين تستذكر مرحلة تأسيس العمل قبل 32 عامًا، حين كانت الغاية الرئيسية إشراك البيئة الحاضنة بالانتصارات والبطولات.
أكثر من محطّة لعبت دورًا مُهمًّا في حشد الأنصار: عملية الاستشهادي أحمد قصير، تحرير شرق صيدا، اغتيال الشيخ راغب حرب والسيد عباس الموسوي، والانتخابات النيابية عام 1992. في ذلك الوقت، شكّل المتطوّعون أكبر جهاز داخل حزب الله.
وفق أم مهدي، مع بدء المشاريع تباعًا، كان لا بدّ من وجود إدارة مركزية ومسؤولي مناطق. في هذه المرحلة بدأ الهيكل التنظيمي يتشكّل لعمل هيئة الدعم، وكان لا بدّ من أن يكون هناك خصوصية للأخوات. وفي عام 1990، حازت الهيئة على ترخيص رسمي من وزارة الداخلية لممارسة عملها في الأراضي اللبنانية.
مشاريع الهيئة
سلكت المشاريع دربها. قد يكون أبرزها وأشهرها مشروع "القجة" أو صناديق التبرّع لهيئة دعم المقاومة التي تمّ ربطها برمزية فلسطين وتحرير الأرض من خلال اختيار مجسّم قبة الصخرة، وهو ما شدّد على أهميّته الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لناحية وجودها في كلّ منزل لما تحمله من معانٍ تربوية قبل أيّ شيء آخر.
شيئًا فشيئًا أخذت المشاريع تتوالى. الاشتراك الشهري، ثمّ تجهيز مجاهد، فالإفطارات الرمضانية والفطورات الصباحية والعصرونيات، وبعدها حفلات الزجل والندوات السياسية وصولًا الى الأناشيد والفلاشات الخاصة بالمناسبات الدينية والوطنية.
ولأن العنصر النسائي في عمل الهيئة كان مؤثّرًا وفعّالًا، أخذت المتطوّعات على عاتقهن مهمّة تجهيز المجاهدين على الجبهة تموينيًا وغذائيًا وهم في خضمّ المعارك، وتخصيص أطباق لهم مع بدء كلّ شهر هجري، على ما تقول أم مهدي.
الرحلات الجهادية برفقة ضباط المقاومة الى المواقع العسكرية ومعالم الجنوب حضرت بقوّة في نشاطات الهيئة. تُشير أم مهدي الى أنها استطاعت أن تُضفي صبغة إنسانية على العلاقة بين الناس عامة والشخصيات الرسمية وزوجات الرؤساء والنواب والوزراء خاصة مع المجاهدين. الكثير منهنّ تعرّف للمرة الأولى وعن قرب على الجزء الحدودي من الوطن وحدود فلسطين بعدما كان أغلبهنّ لا يعرف أبعد من صيدا. بعد عدوان تموز 2006، كانت تلك النسوة تتصل لتطمئن على المقاومين حتى. محطّة 1997 واستشهاد السيد هادي نصر الله كانت نقطة تحوّل في عمل الهيئة. تلفت أم مهدي هنا الى أنها أدّت الى انفتاح الآخر علينا. وهنا زادت المسؤوليات، والجولات وصلت الى الشمال والجبل. كلّ ذلك راكم نجاحات لدى الهيئة، التبرّعات العينية والمادية الى ارتفاع.
آلاف الدولارات كرمى المقاومة
تنوّعت اذًا التقديمات. أم مهدي تتحدّث في هذا السياق عن العديد من المُساهمات المميّزة التي اعتُبرت تكليلًا لعمل الهيئة، ترجمة لمشروع "ساهم بثمن صاروخ" الذي استقطب أبناء الوطن ومنهم أبناء الطائفة المسيحية، فعلى سبيل المثال يُسجّل لإحدى النساء المسيحيات عام 1996 قدومها الى مسجد بئر العبد وتبرّعها بـ5000 دولار لشراء صواريخ كاتيوشا للمقاومة، فيما قدّمت امرأة أخرى من منطقة الحدث 10000 دولار ثمن صواريخ، ما يعني أن موضوع تحرير الأرض يشكّل حافزًا قويًا لدى الناس، حتى أن مشروع تجهيز مجاهد الذي بدأ من مبلغ 1000 دولار جذب العديد من المتبرّعات.
الحاج عماد وقصة الـ 6 ملايين
وعن علاقة الثقة والتفاعل حتى بالتفاصيل، تروي أم مهدي كيف خصّصت إحدى السيدات 6 ملايين ليرة لهيئة الدعم مشترطةً أن تكون لصالح تنفيذ عملية عسكرية، عندها ضحك القائد الشهيد الحاج عماد مغنية قائلًا: "هودي أنجأ يجيبوا حقّ رصاص".
أوفياء العالم ثابتون على دعمهم للمقاومة
صحيح أن ظروف لبنان اليوم تكاد تكون الأقسى، إلّا أن ذلك لم يحل دون دعم المقاومة والوقوف معها في الضراء كما السراء. تؤكد أم مهدي أن الناس مصرّة على أن تكون شريكة في إنجازات المقاومة وانتصاراتها، مُطمئنة الى أن الدعم الداخلي والخارجي لا يزال مستمرًّا، والأوفياء من كلّ العالم ثابتون على نصرة المقاومة، وتقول إن الناس حول العالم لم ولن تُعدم الوسيلة لدعمها، وتوضح أنه بُعيد حرب تموز 2006، وفي خضمّ أزمة دمار المنازل جراء العدوان، سجّلت الهيئة في أحد إفطاراتها الرمضانية في أيلول أعلى نسبة تبرعات لصالح هيئة الدعم في تاريخها، ما يؤكد أن الناس وفيّة لهذا الخطّ مهما بلغت المصاعب.
سياسة الشيخ كوراني الإعلامية.. نظرة استباقية فعّالة
في كلّ سنوات كدّ هيئة الدعم، كان اسم الراحل الكبير سماحة الشيخ حسين كوراني حاضرًا ومتقدّمًا. سماحته كان المُشرف العام على المخطّطات والمشاريع. وفق محدّثتنا، تلقّف الراحل تركيز آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي باكرًا فكرة الاستفادة من الأموال في الإعلام، فانصرف للاطّلاع على كلّ الوسائل المُتاحة للوصول الى أكبر عدد من الجماهير، مواكبًا التطوّر التكنولوجي والمعلوماتي ومُستثمرًا في علاقاته الواسعة خدمة لنهج المقاومة.
النظرة الاستباقية فعليًا ظهرت في إيلائه الانترنت أهمية قصوى مع بداية انتشاره في لبنان والعالم. عام 1996، بادر سماحته الى فتح بريد للمقاومة على الانترنت، وهو ما لقي صدى كبيرًا في أوساط الاغتراب، الأمر الذي استكمل مع إطلاق أول موقع الكتروني متكامل للمقاومة الاسلامية على شبكة الانترنت، حيث كان ناطقًا باللغة الانكليزية وسريعًا ما نال حظّه من التميّز والرواج.
هيئة دعم المقاومة الإسلامية.. حاضنةٌ لا تعرف الفتور
آنذاك، دخلت الحرب النفسية والإعلامية مع الصهاينة مرحلةً جديدة. عملية أنصارية عام 1997 والنكسة التي تلقّاها العدوّ هناك كانت مناسبةً لضربه عبر موقع الهيئة مع نشره صور أشلاء وقتلى الجنود الاسرائيليين وتفاصيل المعركة. تكتيك النشر الذي اعتمدته الهيئة كرّس سلاح حزب الله الإعلامي كمنظومة تأثير قائمة بحدّ ذاتها، تُرصد وتُخشى.
اليوم تُتابع الهيئة عملها بلا عراقيل. يظنّ البعض أن الحصار والعقوبات قد يُضعف همّتها، غير أن المُعطيات لا تُشير سوى الى المزيد من التقدّم داخليًا وخارجيًا. محبّو هذا الخطّ على عهدهم: دعم المقاومة بالمال وكلّ ما أمكن.