هبة العنان
إيمان قائد الثورة الإسلامية الإمام روح الله الخميني (قدس) بأن "المرأة كالقرآن" لناحية دورها في صناعة الإنسان (اي بناء المجتمع الإسلامي على كافة الأصعدة) كان وحده، كفيلًا باعتبار ما تقدمه جزءًا هامًا من بناء مجتمع إسلامي وطاقات بشرية قادرة على تأمين تطور مستدام لهذا مجتمع.
الصدّى الذي أحدثته هذه الثورة على مستوى العالم وصل إلى لبنان، وساعد على قيام حركة دينية مقاومة رفضت الاحتلال الإسرائيلي وأجنداته، قاد ذلك إلى جانب الشبان المجاهدين شابات مجاهدات، سجّلن مواقف للتاريخ وعملن وثابرن لبناء مجتمع يحيي الإسلام المحمدي الأصيل. من هنا كان العمل النسوي الإسلامي في حزب الله عفويًا في البداية ثم راح ينتظِم بما يتوافق مع الواقع الجديد والذي بدأ يفرض نفسه، ليصل فيما بعد إلى إنشاء وحدة "الهيئات النسائية" بكل ما تحمله من أهداف تتماهى مع نهج ومسيرة حزب الله.
* الانطلاقة والبدايات
بدايات "الهيئات النسائية" ترويها مسؤولتها المركزية الحاجة عفاف الحكيم التي واكبت وأسست وكانت ناشطة فاعلة في العمل النسوي الإسلامي منذ البدايات: "فبعد انطلاق الثورة الإسلامية في إيران لبّت الحسينيات والمساجد في الجنوب والضاحية الجنوبية نداء هذه الثورة، وامتلأت بشبان وشابات رفعوا أصواتهم بشعاراتها وحملوا روحها، لتبدأ فيما بعد المحاضرات والندوات ويزداد الحماس والالتزام والالتفاف حول القائد الإمام روح الله الخميني (قدس)".
وتضيف الحكيم في حديثها لموقع "العهد" الإخباري إن "الثورة الإسلامية شكلت صفارة انطلاق للعمل النسوي الإسلامي"، وتقول: "قبل ذلك لم يكن للمرأة أي حضور فاعل وواضح في أي حدث سياسي مصيري، لكن أصداء الثورة حرّكت الحماس في قلوب الشابات المؤمنات وأشعلت فيهن روحًا ثورية، وفي هذا الجو المليئ بالعمل والنشاط، جاء الاجتياح الإسرائيلي والعدوان الغاشم على لبنان، فكانت الأرض مهيأة والنفوس معبأة للدفاع عن الأرض والوطن".
بحسب الحكيم فإن "عفوية الحركة النسوية الإسلامية آنذاك انتظمت ووُضعت على سكة محددة خدمة لمشروع حزب الله، ثمّ تحوّل العمل إلى تنظيمي يتطوّر مع الأحداث المتسارعة والأيّام".
تستذكر الحكيم في مقابلتها التوثيقية مع "العهد" لعمل "الهيئات النسائية" في لبنان التجمعات والمظاهرات الأولى في منطقة بئر العبد، حينها كان العمل سرّيًّا ومحدودًا: "كنا نحث بعضنا كشابات على المشاركة في أي فعالية تُنظم رفضا للإحتلال الإسرائيلي ومؤامراته". وتشير إلى أن "من حضرن إلى المظاهرات والحسينيات والمساجد، أتين من بيوت ضحت في سبيل هذه المسيرة ونبضت بروح المقاومة، كنا من كافة الأعمار، الشابة المتعلمة كانت تنهي محاضراتها في الجامعة وتتجه إلى التظاهرات، كذلك ربة المنزل تنهي احتياجات أطفالها وتلبي نداء المقاومة، فضلًا عن نساء لم يشغلهن عملهن عن نصرة الحق".
وتوضح أن "استشهاد سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي في العام1992 كان له الأثر الكبير في النفوس والقلوب، فازداد الناس تصميمًا وإيمانًا باستكمال المسيرة"، وتضيف: "حينها تم التواصل معي من قبل حزب الله لترتيب العمل النسائي ووضع هيكليّة تنظيميّة لـ"الهيئات النسائيّة في حزب الله".
ووفقا للحكيم: "وضعنا الخطة الأساسيّة للهيئات بإشراف الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، وضمّت قسمًا كبيرًا من الأخوات في سائر المناطق، حيث تمّ تقسيم مهامنا بما يتلاءم مع كل منطقة ومستوى العمل فيها، وانطلق العمل بالهيكليّة مباشرة على صعيد منطقة بيروت، وبعد ذلك بعام تقريبًا توزّع العمل على المناطق الأخرى فأصبح لكل منطقة مسؤولة، وهي في الوقت نفسه معاونة لمسؤول المنطقة".
وتتابع الحكيم: "بعد ذلك جرى تقسيم كل منطقة إلى عدد من القطاعات ليصبح في كل بلدة أو قرية "رابطة"، وفي كل حي "مسؤولة شعبة""، وتشير إلى أن ""الهيئات اتخذت من منطقة بئر العبد مركزًا لها، ليكتمل بذلك عملنا الذي لطالما كان ولا يزال جزءا كبيرا منه تطوعيًا، ففي كل منطقة هناك حوالي 1000 أخت عاملة بين متطوعة ومتعاقدة".
وتلفت الحكيم في حديثها لموقع "العهد" إلى أن "الإعلان رسميًا عن إنشاء وحدة "الهيئات النسائية" المركزية كان في العام 2003، حينها جرى تعييني مسؤولة للوحدة، خلال هذه الفترة كان لي جلسة مطوّلة مع سماحة السيد حسن نصر الله لتعريفنا بكافة جوانب العمل المطلوب، وشرح لي على مدى 3 ساعات متواصلة كيف نوائم أهدافنا مع طرق تنفيذية تناسب مجتمعنا.. وهكذا راح العمل يتسع رويدًا رويدًا ليصل إلى سائر المناطق".
* الدور والأهداف
وتعدد الحكيم أهداف وحدة "الهيئات النسائية"، التي تتماهى بكل تفاصيلها مع أهداف حزب الله على كافة الصعد الثقافيّة والاجتماعيّة والإعلاميّة، منها:
- التعبئة الثقافيّة: ويرتكز ذلك على الدورات الثقافيّة والندوات والمحاضرات والاحتفالات.
- الإرتقاء بوضع المرأة ثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا.
- إبراز الصورة الناصعة للمرأة المنتمية الى حزب الله في كل المجالات.
- تشكيل شبكة علاقات مع الأحزاب المؤيّدة للمقاومة لما يخدم خط ومسيرة حزب الله.
- تحصين المجتمع النسائي وجعله مجتمعًا داعمًا للمقاومة في وجه المؤامرات التي تُحاك ضد حزب الله.
- التواصل مع عوائل الشهداء والمقاومين، باعتبارها صاحبة الفضل الأول في نشأة وتربية أبنائها واندفاعهم الصادق.
- التدريب على الإسعافات الأوليّة بهدف تنميّة القدرات والمبادرات الفرديّة بهذا المجال.
وبحسب الحكيم، كان لـ"الهيئات النسائية" دور هام في تشكيل الوعي لدى عامة النساء تجاه المقاومة ومواجهة العدو الصهيوني، وذلك عبر إقامة الدورات والمسابقات الثقافيّة بمستويات مختلفة وتشكيل لجان اجتماعيّة من محو الأميّة إلى إسعافات أوليّة.
في إطار دورها الريادي، أقامت "الهيئات النسائية" دورات للتدريب على تلاوة العزاء عبر تشكيل لجنة "الحوراء زينب (ع)" التي تهتم بإحياء شهادات وولادات أهل البيت(ع)، بالإضافة إلى تشكيل لجنة المؤازرة (وهي أول لجنة تُعنى بعوائل الشهداء والجرحى)، التي تتحرك أسبوعيًا برعاية زوجات العلماء والمسؤولين والفعاليّات لزيارة هذه العوائل، وهذا ما أثار إعجاب وتقدير سماحة الأمين العام.
* التطور والتوسّع
فيما بعد، انبثقت عن عمل الهيئات النسائية "لجنة دعم المقاومة"، التي تشرف على توزيع حصالة المقاومة وعقد اللقاءات السياسية بحسب المستجدات السياسيّة وإقامة المعارض المختلفة التي تصب في عمل الهيئات النسائيّة، وصولًا إلى فتح علاقات مع الأحزاب والجمعيّات المؤيّدة للمقاومة والمشاركة في الاحتفالات الداعمة للمقاومة، وهنا كان للهيئات دور هاما في عقد صلات وعلاقات متينة وفاعلة مع العديد من الفعاليات والشخصيّات النسائيّة في لبنان ومختلف بلدان العالم.
وحول تطور وتوسّع عمل الهيئات النسائية، تلفت الحكيم الى أنه "توسع ليشمل 5 مناطق لبنانيّة، هي: بيروت، المنطقة الأولى، المنطقة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة". وتقول "أنشأنا أول معهد لتدريس الأخوات وتنمية قدراتهم وادراكهم على المستوى الثقافي، فكان معهد سيدة نساء العالمين (ع) في حارة حريك، وتطوّر هذا المعهد فيما بعد ليشمل المناطق الخمسة المذكورة".
نظّمت "الهيئات النسائية" حوالي 15 مؤتمرًا فكريًّا وثقافيًّا تحت عناوين متنوعة تعالج حاجات المجتمع، منهم مؤتمر العمل التطوعي الذي حضره شخصيات من المجلس النسائي اللبناني، ومؤتمر القراءة والنهوض الثقافي الذي حضره وزير التربيّة.
وتقول الحكيم لـ"العهد": "جرى تأسيس ثلاث جمعيّات، هي: الجمعيّة النسائيّة للتكافل الاجتماعي، وجمعيّة الأمومة والطفولة، وجمعيّة الرابطة اللبنانيّة الثقافيّة، بالإضافة إلى المشاركة في 98 مؤتمرًا في العديد من الدول العربية والإسلاميّة والعالميّة مثل: الصين، إيران، السودان، لندن، بريطانيا، الأونيسكو في فرنسا، اليمن، إندونيسيا، إيطاليا، تركيا، ماليزيا، تونس، حلب ، مكة المكرمة والمدينة المنورة.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الحكيم إلى أنه تم "تنظيم رحلات ودورات ثقافيّة إلى إيران (دورتين في كل سنة لمدة سبع سنوات)، فيما جرى تعيين أخت لتكون مندوبة في المجلس النسائي اللبناني، من خلال الجمعيّات الثلاث التي رخصنا لها".
أما حول المشاريع المستقبلية للهيئات النسائية، فتؤكد الحكيم لـ"العهد" أن "الهيئات تتطلع في الأعوام القادمة لتكون مرجعًا لكل الأخوات في لبنان والعالم الإسلامي، ومثالًا للعمل النسائي الممهد لمسيرة صاحب العصر والزمان (عج)، وجهة تواكب أهم التطورات التقنيّة والتكنولوجيّة والعلميّة لتكون رائدة في عملها على جميع الصعد".
تختم الحاجة عفاف الحكيم: "نتطلّع الى مزيدٍ من العمل الإجتماعي والثقافي، خاصة في ظل هذه الظروف الإقتصادية الصعبة التّي تمر بها الأكثريّة الساحقة من الناس، للحث على العون والتكافل الإجتماعي".