مطلع آذار/ مارس 1978 عاودت الميليشيات العميلة للاحتلال الصهيوني الاعتداء على القرى الامنة في جنوب لبنان، فردت عليها القوات المشتركة فاشتعلت الجبهة جنوباً. حاولت الميليشيات العميلة السيطرة على مارون الراس في الثاني من آذار/ مارس لكن القوات المشتركة طردتها منها في نفس اليوم.
يعد يومين قصفت بحرية العدو الصهيوني الصرفند وعدلون على الساحل بين صيدا وصور ولكن "بشكل محدود"، فيما أعلن العميل سعد حداد خيبة امله من ردّ فعل "داعميه" خلال هجوم مارون الراس.
بعد أربعة ايام فقط وتحت مزاعم الرد على العملية البطولية التي عرفت لاحقا باسم عملية الشهيد "كمال عدوان" وقادتها الشهيدة البطلة دلال المغربي على طريق حيفا ـ تل أبيب، وتحت عنوان " تصفية القواعد الفدائية على الحدود" ـ كما ورد في بيان العدو الذي أعلن عن بدء الاجتياح ـ قدم الكيان حصيلة مفادها أنها ومنذ العام 1973 شنت المقاومة 1548 عملية على جنودها تسببت بمقتل 108 صهاينة وجرح 221.
مع اعلان رئيس أركان جيش العدو الاسرائيلي موردخاي غور ان كيانه ينوي اقامة حزام أمني على طول الحدود اللبنانية بعمق 10 كلم، اجتاح ما بين 20 إلى 30 ألف جندي صهيوني الأراصي اللبنانية عبر المحاور التالية (انظر الخريطة):
في القطاع الغربي:
ـ الناقورة، رأس البياضة، يارين، طير حرفا، وانزلت بحراً جنوب صور وحدة توجهت نحو العزية.
في القطاع الأوسط:
ـ مارون الراس وبنت جبيل
في القطاع الشرقي:
ـ عديسة، الطيبة، مرجعيون، الخيام، إبل السقي، بلاط، كفرشوبا وراشيا الفخار.
يوميات الاجتياح
15 آذار/ مارس 1978: قصف دور العبادة واستهداف المدنيين
ـ في هذا اليوم قصف الطيران الإسرائيلي مسجداً في بلدة العباسية التجأ اليه عدد من العائلات فاستشهد وجرح 112 مواطناً معظمهم من النساء والأطفال.
ـ كذلك قام الطيران الحربي الإسرائيلي بقصف وحدات سكنية ومؤسسات تجارية في منطقة الاوزاعي جنوبي العاصمة بيروت ما أدى إلى استشهاد 26 مواطناً لبنانياً وتدمير 30 وحدة سكنية.
ـ تلت مجزرتي العباسية والإوزاعي مجزرة كنيسة راشيا الفخار حيث استشهد 15 لبنانيا لجأوا إلى الكنيسة للاحتماء من قصف القذائف المدفعية الإسرائيلية.
ـ دهست دبابة صهيونية في بلدة كونين سيارة المواطن درويش درويش التي كانت تقل 6 اشخاص من عائلته، مما ادى الى مجزرة فظيعة بحقهم. ثم بادرت بإطلاق النار على المنازل مما أسفر عن سقوط 24 شهيداً اضافيا.
ـ عازار وايزمان ـ وزير حرب العدوـ يزعم أن "إسرائيل ليس لديها النية لاحتلال جنوب لبنان"، ويطالب الحكومة اللبنانية بالسيطرة عليه. وأن "تتفهم سوريا أن ما جرى ليس سوى عملية محدودة".
ـ موردخاي غور ـ قائد الإركان في جيش العدو يكشف أن "اسرائيل تنوي إقامة حزام امني على طول الحدود اللبنانية" عبر وصل مرجعيون وقليا (مكان تموضع ميليشيا العميل سعد حداد) في الشرق، ورميش وعين إبل ودبل في الوسط، وعلما الشعب في الغرب، زاعماً ان قواته لن تهاجم الا الاهداف الواقعة في المنطقة الحدودية بعمق 10 كلم وانها لن تصل إلى "الليطاني". في المساء اعلن غور أن "العمليات الرئيسية انتهت حوالي الخامسة بعد الظهر".
ـ من جهته رئيس وزراء العدو مناحيم بيغن ظهر على شاشات التلفزة العبرية مستعرضاً قواته في علما الشعب، واعلن في تصريح له ان " الجيش الاسرائيلي باق في جنوب لبنان حتى التوصل إلى عقد اتفاق يضمن عدم عودة الفدائيين إليه".
تصدي المقاومة
اعلنت القوات المشتركة أنها اوقفت التقدم الصهيوني على محاور يارين ـ طير حرفا والعديسية ـ الطيبة.
16 آذار/ مارس 1978: قصف قلعة أرنون بالطيران الحربي
ـ شنت القوات الغازية المزيد من الهجمات محتلة عدة قرى قي القطاع الشرقي من بينها راشيا الفخار.
في القطاع الاوسط ونظراً للاستبسال الذي ووجهت به القوات الغازية و"المقاومة غير المتوقعة" بحسب إعلام العدو اضطر العدو للتخفيف من تقدم جنوده ودباباته.
في القطاع الغربي وبالأخص على الساحل تقدم العدو بفعل دعم قواته البحرية بسرعة.
تم قصف النبطية وقلعة أرنون التاريخية الواقع شمال الليطاني بواسطة الطيران الحربي وللمرة الأول يزج العدو بطائرات F15 المتطورة.
سريعاً جاء رد المقاومة بقصف كريات شمونة والمطلة في الجليل.
17 آذار/ مارس 1978 : سقوط قرى حدودية ومجازر مستمرة
في هذا اليوم، سقطت قرى الناقورة، وعين إبل، وبنت جبيل، وبليدا، وغيرها من القرى والمدن الحدودية.
ـ قوات العدو تحاول التقدم باتجاه تبنين والعديسة وتتصدى لها القوات المشتركة ـ بعد تركها لمواقعها ـ بأسلوب حرب العصابات لتأخير تقدمها.
ـ كومندوس صهيوني ينفذ إنزالاً في منطقة عدلون الساحلية، ويقتل مسؤولاً في القوات المشتركة.. وبينما كانت سيارتان مدنيتان تضمان افرادا من آل قدوح وآل الطويل متوجهتين نحو بيروت هربا من القصف، اوقفتهما قوات العدو المتسللة، واطلقت عليهما وابلا من الرصاص والقنابل مما اسفر عن حدوث المجزرة بحق الركاب الذين استشهد منهم 17 .
أما بلدة الخيام، فقد هاجمتها فرقة من القوات المتعاملة مع الاحتلال الاسرائيلي، وارتكبت مجزرة ذهب ضحيتها أكثر من 100 شخص، معظمهم تتراوح أعمارهم ما بين 70 و85 سنة.
ـ عازار وايزمان ـ وزير حرب العدوـ يزعم مجدداً أن قواته لن تذهب أبعد من الحزام الأمني بعمق 10 كلم.
18 آذار/ مارس 1978: تجاوز حدود الـ 10 كلم.. والوجهة صور
شن الصهاينة هجوماً جديداً واجتازوا حدود الـ 10 كلم بحجة استمرار الهجمات بالصواريخ على المستعمرات كما زعم "بيغن".
ـ احتل الجيش الصهيوني تبنين وتوجه نحو صور على أربعة محاور:
ـ البياضة ـ رأس العين
ـ كفرا ـ قانا
ـ تبنين ـ جويا
ـ القنطرة ـ العباسية
في القطاع الشرقي
تقدمت قوات العدو من مرجعيون باتجاه جسر الخردلي على نهر الليطاني وقرية كوكبا.
ـ جدد طيران العدو قصفه للنبطية وقلعة أرنون.. بالإضافة إلى قرية انصار.. ردت القوات المشتركة والمقاومة بقصف المستعمرات الصهيونية بصواريخ الكاتيوشا.
19 آذار/ مارس 1978: استعمال القنابل الإنشطارية لأول مرة
ـ في هذا اليوم استكمل العدو الصهيوني اجتياحه بسيطرته على القرى الواقعة جنوب الليطاني باستثناء: ضواحي صور، المنطقة الساحلية شمالي صور، منطقتين على طول الليطاني، والمنطقة الممتدة من ضفاف جسر القعقعية وجسر الخردلي إلى أسفل جبل الشيخ.
ـ وفي هذا اليوم أيضاً سجل استخدم العدو وللمرة الاولى القنابل الإنشطارية في منطقة صور.
ـ أقر مجلس الامن القرار 425 مطالباً الكيان الصهيوني بالإنسحاب وإرسال قوة من الامم المتحدة إلى جنوب لبنان.
20 و21 آذار/ مارس 1978: بدء سريان مفاعيل القرار 425
ـ اوقف العدو تقدمه وبدأ بتعزيز المواقع التي سيطر عليها، مستكملاً قصف العرقوب وصور.
ـ القوات المشتركة من جهتها استمرت بقصف تجمعات العدو في المستعمرات بالصواريخ.
بالأرقام
الأراضي المحتلة
بلغت مساحة الأراضي المحتلة من قبل العدو في هذا الاجتياح حوالي 1100 كلم مربع، متضمنة:
ـ قضاء بنت جبيل (255,6 كلم مربع)
ـ قضاء مرجعيون (313،6 كلم مربع)
ـ قضاء صور( 350 كلم مربع من أصل 415،1 كلم مربع)
ـ قضاء حاصبيا ( 150 كلم مربع من أصل 218،8 كلم مربع)
وأقام العدو ما بات يعرف لاحقاً بـ"الحزام الامني" الممتد بعمق 10 إلى 15 كلم داخل الأراضي اللبنانية الحدودية بمساحة 700 كلم ويشتمل على ما يقارب 55 بلدة ومزرعة لبنانية.
مساء 21 آذار/ مارس 1978 أمر "وايزمان" بوقف لإطلاق النار فوق الأراضي اللبنانية التي تسيطر عليها قواته معلناً نهاية الحملة الاسرائيلية.
القوات المشتركة استمرت بقصف تجمعات العدو لغاية 28 آذار/ مارس 1978.
خسائر وأضرار
الخسائر البشرية
قدرت الحصيلة العامة للشهداء اللبنانيين والفلسطينيين بـ 1168 شهيداً حسب إحصاء للسلطات اللبنانية، نصفهم مدنيون.
على المستوى العسكري سجل:
أ ـ القوات المشتركة
ـ ما بين 150 و200 شهيد ومفقود (حسب مصادر منظمة التحرير الفلسطينية)، معلومات العدو قالت إن الرقم بين 250 و400.
ب ـ خسائر العدو:
20 قتيلاً حسب تل أبيب يضاف اليهم 7 سقطوا ما بين 5 و11 نيسان/ أبريل أي بعد وقف إطلاق النار.
ـ أسير صهيوني وقع في أيدي القوات المشتركة حينما تمت مهاجمة شاحنة إسرائيلية في كمين قرب مخيم الرشيدية بصور، فقتل آنذاك أربعة جنود إسرائيليين وأسر واحد من قوات الاحتياط هو "أبراهام عميرام"، تم استبداله بـ 76 سجيناً فلسطينياً موقفين في كيان العدو بتاريخ 14/3/1979 حيث جرت عملية تبادل الليطاني أو كما سميت "عملية النورس" بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة سراح الجندي الإسرائيلي الأسير وأفرجت "إسرائيل" بالمقابل عن 76 معتقلاً من كافة فصائل الثورة الفلسطينية وكانوا في سجونها، من ضمنهم 12 فتاة فلسطينية.
وصل عدد النازحين من جنوب لبنان الى 285 ألف شخص، بينهم 220 ألفا (الهيئة العليا للإغاثة) من أقضية صور، بنت جبيل، مرجعيون والنبطية والتي كان تعداد سكانها في العام 1977 حوالي 445 ألف نسمة.
ـ 65 ألف فلسطيني حسب مصادر وكالة الغوث، قدموا من مخيمات الرشيدية والبرج الشمالي والبص.
الخسائر المادية
ـ قدّرت اللجنة الدولية للصليب الاحمر أن 80% من القرى والمدن الجنوبية قد تضررت.
ـ تحدثت الهيئة العليا للإغاثة عن تدمير شبه كامل لسبع مناطق بينها الخيام، الغندورية والعباسية.
ـ تخريب شبكات المياه والكهرباء والهاتف على مساحة العدوان.
ـ إتلاف المزروعات على مساحة الاراضي المحتلة.
ـ تدمير خمسين مدرسة.
ـ عشرات المراكز الصحية متضررة.
ـ تدمير أكثر من عشرين مسجدا وكنيسة وحسينية.