ميساء مقدم
في الذكرى الرابعة لمعركة تحرير سلسلة جبال لبنان الشرقية من الإرهابيين، تحكي المقاومة الإسلامية روايتها الكاملة لهذا التحرير بكل تفاصيلها الميدانية والعسكرية، للمرة الأولى عبر موقع "العهد" الاخباري. "أصل الحكاية" يعود الى العام 2012 مرورًا بـ"تل مندو" والقصير وصولًا الى الجرود. الحكاية سينشرها موقع "العهد" تباعًا مرفقة بمادة مرئية من مشاهد فيديو خاصة وخرائط بالتعاون مع الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية.
في الجزء الثاني ننشر التفاصيل العسكرية الدقيقة لسيطرة المقاومة على القصير.. وكيف تدخل سماحة الأمين العام لحزب الله في تحديد اتجاه الهجوم على المدينة.. وفق رواية خصت فيها المقاومة الاسلامية موقع "العهد" الاخباري:
أنهت المقاومة الاسلامية معركة غرب النهر بتدمير مشروع الوصل مع الشمال والقضاء على مشروع عزل البقاع عن حمص. لكن القصير بقيت القاعدة اللوجستية الرئيسية للمجموعات الارهابية.
قبل معركتي "تل مندو" والقصير، وقبل معارك غرب النهر، كان الإرهابيون يشنون حرب معابر. كانوا قد بدأوا بهجمات للسيطرة على المنافذ الموصلة الى سوريا. فبدؤوا حركتهم باتجاه معبر جوسيه، وأخذوا منطقة الـ 14 . وكان لا بد من استعادة هذا المعبر. قام مجاهدو المقاومة الاسلامية بتنفيذ عملية هجومية على منطقة تُسمى "خربة جوسيه"، ونجحوا في استعادتها. ولكي يتمكن المجاهدون من الدفاع عن المعبر، وفي أوّل موقف هجومي، أخذ الأخوان القرار بالمواصلة الى منطقة جوسيه "لا بد من تطهير منطقة شرق النهر للاطباق على القصير من عدة اتجاهات". حينها هاجمت المقاومة المنطقة "كانت عملية هجومية ليلية، عملية خاصة على غرار عمليات المقاومة، وهنا بدأ دور قوات التعبئة بالمشاركة في العمليات".
في عملية جوسيه، كان انتشار الجيش السوري متفرّقًا. كل نقطة انتشار للجيش السوري كانت المقاومة تعتبرها موطىء قدم يمكن أن تنطلق منها العملية. قام المجاهدون بعملية هجومية ثانية، هي عبارة عن هجوم شرق نهر العاصي، استهدف منطقة مساحتها قرابة الـ 120 كلم مربع، تضم مجموعة من القرى هي جوسيه، العاطفية، سعيدية، زرّاعة، دوثريّة، العاطفية (مع بداية الأحداث في سوريا دخل المسلحون الى العاطفية وارتكبوا مجزرة راح ضحيتها قرابة الـ 17 شهيدًا مدنيًا). استفادت المقاومة من نقاط انتشار الجيش العربي السوري الموجود، وقامت بعملية شارك فيها قرابة الـ 800 مجاهد بينهم قوات من التعبئة. وبدأت العملية من عدة اتجاهات (من ميزة العملية أنها معقّدة): من الشرق باتجاه الغرب، ومن الجنوب باتجاه الشمال، واتجاه التفافي بهدف إحكام الحصار والطوق.
منشأة المياه قبل القصير هي منشأة ضخمة عبارة عن مبانٍ ضخمة عند بداية القصير
فعليًا، بدأت المعركة عند الساعة الواحدة ظهرًا.، قدّمت المقاومة شهيدًا، وقبل غروب الشمس كانت العملية الهجومية قد حققت تقريبًا أهدافها الحاسمة. في اليوم الثاني جرى وصل القوات إضافة الى اتمام التطهير والعملية الالتفافية. واستعادت المقاومة دبابة للجيش السوري كان المسلحون قد استولوا عليها. الملفت أن القذيفة كانت ما تزال في مدفع الدبابة التي استعادها المجاهدون، أي أن الارهابي كان قد وضع القذيفة لكنه لم يستطع أن يرميها بسبب سرعة وصول المجاهدين اليه.
من أهم مميزات هذه العملية "المناورة الالتفافية". كانت المقاومة تسيطر على مجموعات من العوارض، وبدأ الارهابيون بالهروب "في منطقة اسمها "تل حنش" ترك الارهابيون عشرات الآليات وهربوا، كان المقاومون يستهدفونهم، وكان المشهد هناك غريبًا، مع وجود برق قوي، وكأن الله سبحانه وتعالى عم يرميهم، عم يرميهم، البرق من السما وقت يصطدم بالارض على المسلك اللي هني طالعين فيه شي غريب، كان البرق أصعب عليهم من رمايات المقاومين".
بقي لدى المقاومة منطقة للوصول الى التّماس مع القصير، وهي منطقة "دوثرية" وصولًا الى "منشأة المياه" قبل القصير. في هذه المنطقة قاتل مجاهدو المقاومة لمدة يومين وارتقى خلالها 4 شهداء، حتى وصل المقاومون الى خط تماس ما قبل القصير.
في منطقة منشأة المياه ومحيطها دارت اشتباكات اليوم الأخير، حيث حشد العدو كل قوته لأن المقاومة كانت قد باتت على تماس مع القصير. منشأة تصفية كان فيها كلور. وطُلِب من أحد أفراد القوة المعادية تفخيخ الكلور وتفجير نفسه هناك لقتل أكبر عدد من أفراد المقاومة. لكن المجاهدين قاموا بقتله قبل الوصول الى المنشأة بعد وقوع اشتباك بينه وبين الاخوة على مسافة قريبة جدًا.
الاشتباكات القريبة بين المقاومين والمسلحين استمرّت في هذه المنطقة لحين بدء الهجوم على القصير.
* عدد الاشتباكات التي خاضتها المقاومة خلال عملية شرق النهر هي على الشكل التالي:
- اليوم الأول: 46 اشتباكًا عاديًا واشتباك واحد صلب.
- اليوم الثاني: 6 اشتباكات عادية و5 اشتباكات صلبة.
- اليوم الاخير: 18 اشتباكًا صلبًا.
* مميزات هذه العملية:
- سرعة العمل للتشكيلات.
- تعدد المناورات: نحنا هاجمنا في هذه العملية على سبعة محاور قتالية.
- القتال القريب والاستفادة القصوى من النيران.
- الاستفادة من مناورات التفافية أمّنت قطع طرقاتهم وعزلهم مما اضطرّهم للهروب قبل أن يكتمل الطوق، "لو اكتمل الطوق كانوا اختنقوا جوّا هيدي منكون خلصنا عملية شرق النهر".
* القصير : الأمين العام يحسم اتجاه الهجوم
عند هذه المرحلة بدأ النقاش: هل نهاجم القصير ومن أي جهة؟
يختلف الاشتباك العادي عن الاشتباك الصلب وفقًا للفترة الزمنية وكثافة النيران وكيفية حسم الاشتباك.
بعد حسم القيادة لقرار الهجوم على القصير، كان النقاش يدور حول سؤال "هل نهاجم من الاتجاه الشمالي أي من تل مندو باتجاه عرجون ومن عرجون نلتف على مطار الضبعة ونتقدم نحو القصير، أو نبدأ الهجوم من الاتجاه الجنوبي أي من المكان الذي وصلنا فيه الى تماس مع القصير ونبدأ عمليتنا الهجومية من جسر المشتل باتجاه القصير؟".
هنا جاء دور القيادة. حسم سماحة الأمين العام القرار. أعطى السيد حسن نصر الله الأمر بأن يكون الهجوم من الاتجاه الجنوبي وليس من الاتجاه الشمالي، من نقاط التماس التي وصل اليها المجاهدون مع القصير.
في معركة القصير كانت المقاومة تواجه أبرز التشكيلات القتالية التي كانت فاعلة في ميدان ما يسمى بـ"الثورة السورية". تضاربت الأقوال حول أعداد المسلحين هناك، لكن الرقم الأقل الذي قيل هو 6 آلاف مقاتل للعدو داخل القصير مع أسلحتهم وعتادهم ودباباتهم ورشاشاتهم الثقيلة ومدافعهم.
قيمة هذه المعركة كانت من خلال القضاء على القاعدة اللوجستية التي تغذّي الثورة السورية، وإلزام العدو بتغيير اتجاه عمله. في تلك المرحلة، لم يكن تنظيم "داعش" قد ظهر بعد، بل كان لا يزال جزءًا من الإطار العام لما يسمى "الثورة السورية". كان لجبهة "النصرة" حضورها في القصير، لكن التشكيل الأقوى كان "كتائب الفاروق"، المنتشر على كامل الأراضي السورية. فكتائب الفاروق كانت حينها في إدلب وحلب ودرعا.. لكن بنيتها الأساسية كانت في منطقة حمص والقصير بشكل أساسي (القصير مقر القيادة لكتائب الفاروق).
الغطاء والدعم الدوليان اللذان حاز عليهما الارهابيون في القصير كانا كبيرين. كل الشخصيات الرئيسية في ذلك الوقت تحدثت عن المعركة، ولاقى المسلحون الدعم والترويج الاعلامي من قبل عدد كبير من القنوات الفضائية و الأجنبية.
* علائم القوة لدى العدو
كان لدى العدو الكثير من علائم القوة: "الاستقطاب الكبير للمقاتلين اضافة الى أعدادهم الكبيرة وتشكيلاتهم، وسيطرتهم على الكثير من أسلحة الجيش السوري، فضلًا عن الأسلحة التي كانت تصلهم". هناك، كان لدى المسلحين أهمّ الأسلحة الفردية في العالم، والمزودة بمناظير، ودبابات و"مدافع هاون" غربي وشرقي، إضافة الى أن "الكورنيت كان بإيدهم، وشفنا السهم الأحمر اللي هوي عبارة عن سلاح ضد الدروع متطور وحديث".
في الشكل العام، كان هناك توازن في القدرة القتالية بين المقاومة من جهة والارهابيين من جهة أخرى، على مستوى نوعية الأسلحة. أما على مستوى الأعداد البشرية، كان المسلحون يتفوقون في العدد. كان عدد المسلحين على أقل تقدير 6 آلاف، وعلى التقدير الأعلى 10 آلاف. أما تشكيل المقاومة لدى مهاجمة القصير فكان: 14 محورًا، 14 سرية. قوة القتال الفعلية الأساسية كانت قرابة الـ 1800 شاب فقط.
العملية التي تمت في أيار/ مايو من العام 2013 نفذت على أربع مراحل. كل مرحلة هي عبارة عن يوم أو أكثر.
المرحلة الأولى أنجزت في اليوم الاول، حيث هاجمت المقاومة الاسلامية المدينة من عدة اتجاهات، كل اتجاه كانت فيه عدة محاور. وكان لدى المقاومة محور التفافي واحد من الجهة الغربية، وأكثر من محور على الجهة الجنوبية. على الاتجاه الشرقي كان هناك محور تأميني من الجنوب باتجاه شمال شرق، و 5 محاور من الغرب باتجاه الشرق، وذلك بالاستفادة من نقاط الجيش السوري.
استهدفت العملية الوصول الى نقاط محددة، وحققت تقريبًا 70 بالمئة من أهدافها. ففي اليوم الأول سيطرت المقاومة على 40 بالمئة من مساحة القصير (من العمران)، وحققت الوصل بين تشكيلات الجيش السوري المبعثرة في قلب القصير. وصلت قوات المقاومة من المشتل حتى القصير وسيطرت على الحارة الجنوبية ـ الشرقية. وصل المجاهدون الى مقربة من الكنيسة والبلدية في اليوم الاول لكنهم لم يقوموا بالتثبيت لمجموعة ظروف. كما ارتقى عدد من الشهداء.
في اليوم السادس للمعركة، حصل قتال عنيف جدًا بين المقاومة والعدو. كان الأعداء قد جهزوا اجراءاتهم الدفاعية بعرض وبعمق المنطقة: "نحنا ما في نقطة ما هاجمناها بالقصير، ما في غرفة دخلنا فيها بالقصير الا ما واجهنا فيها اشتباك، في بعض الأماكن التي كنا ندخل اليها كنا نجد البيض الساخن والشاي الدافئ.. يعني كانوا عمبيقلوا البيض وعاملين الشاي و مأمّنين".
بعد اليوم السادس، دخلت قوات المقاومة في عمليات قضم مع تحضير وتهيئة الاخوة المجاهدين لتنفيذ الهجوم الرئيسي الأخير. من المميزات التي كان يستفيد منها العدو حجم التشريكات والعبوات والاستفادة من الأعمال الهندسية على عمق وعرض المنطقة، فضلًا عن حجم التحصينات "كانوا مستفيدين استفادة قصوى من الأرض وحجم التحصينات".
مع اقتراب اليوم العاشر للمعركة، حاول المسلحون من خارج القصير الوصول الى المدينة للدعم والتعزيز، وذلك من سلسلة القلمون، أي من منطقة العبّودية، كانوا يقطعون منطقة دحيرج ويدخلون القصير من الخلف. لكن المقاومين اشتبكوا مع الارهابيين في منطقة العبّودية فتراجعوا، ثم التفوا من طريق حسية على الاوتوستراد، ودخلوا من جهة الضبعة ثم القصير. من خلال هذا التعزيز، انضم الى المسلحين داخل القصير عبد القادر صالح وعبد الجبار العقيدي. كما وصل تشكيل من دير الزور من أسود الشرقية ووصلت تشكيلات من حلب (حوالي 300 مسلح من حلب). مع مرور الأيام كان أداء الاخوة يتطور وكذلك التكتيكات، فمثلًا انتقل المقاومون من "الهجوم من الشارع" الى "خرق المنازل".
تم تحديد هدف حاسم هو الوصول الى منطقة البلدية التي تضم (الكنيسة، البلدية، ساحة القصير الرئيسية) لأنها قلب القصير.
استمرت مرحلة القضم (المرحلة الثالثة) فترة زمنية طويلة. من اليوم العاشر أعطت قيادة المقاومة الأوامر بتنفيذ مناورات على اتجاهات أخرى.
تقدم المقاومون باتجاه منطقة دحيرج، والتفوا على أي معبر ممكن أن يوصل الى القصير وقاموا باغلاق كامل هذه المنطقة لمنع أي عملية تسلّل ممكنة باتجاه القصير. إضافة الى ذلك، قام الدفاع الوطني بالتعاون مع تشكيلات من المقاومة بالبدء بعملية هجومية تمت من خلالها السيطرة على مجموعة نقاط أهمها مطار الضبعة، اضافة لمنطقة الجوادية.
مع التحضير للهجوم الرئيسي النهائي، كانت المعركة تقريبًا في يومها الرابع عشر، وكان الهدف الرئيسي هو البلدية. بدأ الهجوم تقريبًا عند الساعة السابعة صباحًا، ومع انتهاء النهار، عند الغروب، كانت البلدية بأيدي المجاهدين. احد التقديرات أشار الى سقوط 2000 قتيل للمسلحين.. انتهت المعركة عند سقوط البلدية، ومع سقوطها كان المسلحون في مرحلة "النهاية" (قبيل الوصول الى البلدية، طلب المسلحون التفاوض من أجل الخروج، وضعت المقاومة مجموعة من الشروط لكن لم يتم الوصول الى اتفاق).
بعد البلدية كان التحضير لليوم التالي باتجاه الحارة الشمالية. عند الساعة الثانية عشرة ليلًا بدأت تظهر مؤشرات هروب المسلحين من قلب القصير . كان الأمر منطقيًا، فأعداد قتلاهم مرتفعة، وأعداد الجرحى كذلك. مع فجر اليوم السادس عشر كانت قد بدأت عملية خروج المسلحين من القصير باتجاه الضبعة فالبويضة الشرقية..
انتهت المعركة، ولم يتبقَّ سوى بعض عمليات المطاردة. "جماعة حلب راحوا عحلب، والشريحة الأكبر من مسلحي القصير، ومسلحي حمص، انكفأت باتجاه القلمون". هذا الانسحاب من قبل الارهابيين لم يكن منظمًا، وتركوا خلفهم أعدادًا كبيرة من الآليات والرشاشات والأسلحة.
في مرحلة من المراحل "كانوا صايرين خالصين، ولديهم عشرات الجرحى، فتواصلوا مع مختار دحيرج، الذي بدوره تواصل مع المقاومة، فأعطى سماحة الأمين العام الأمر بمساعدة جرحى المسلحين في الوصول الى المستشفيات".
انتهت معركة القصير، وعادت المقاومة الى الموقف الدفاعي، وباتت التهديد في السلسلة. في أواخر عام 2013 وبداية الـ 2014 جمع الارهابيون كل عسكر القصير والقلمون، وحاولوا أن يناوروا على المقاومين بعملية هجومية. بدأ الهجوم على 3 نقاط: تل الحنش والـ 14 والعبودية. استمر الهجوم قرابة الـ20 يومًا. كانوا يحاولون تحقيق اختراق للوصول الى جوسيه ثم التغلغل نحو القصير. بعد 25 يومًا نفذت المقاومة عملية التفافية من جهة اللواء 67 الدبحسية ثم جمراح ثم الحمرا، ثم جب جراح، وسيطرت على كامل هذه المنطقة.