إيهاب شوقي
لخّص سماحة السيد حسن نصر الله الانجاز الاستراتيجي من الجولة الأخيرة في معركة سيف القدس بكلمات مختصرة بليغة، وطور المعادلة المستخلصة لمعادلة أوسع وأخطر وأكثر ردعا للعدو.
وهذه المعادلة هي ربط غزة بالقدس وعدم السماح بالفصل الذي سعى العدو ورعاته والمتواطؤون معه لتثبيته بهدف التعامل مع القضية بشكل مجزأ يسمح بتفريغها من أصلها وسهولة تصفيتها.
وما طوره السيد نصر الله هنا، هو توسيع المعادلة لتشمل ربط محور المقاومة بالقدس، وجعل القدس قاعدة اشتباك تتجاوز غزة لتصبح قاعدة اشتباك إقليمية، وهو مزيد من الردع للعدو ومزيد من الدعم والحماية للمقاومة الفلسطينية.
كما أن ما أراد السيد نصر الله إبرازه بنفسه، وقال أنه أهم ما يريد إيصاله في كلمته، هو أن القدس قضية تتعلق بالعقيدة ولن يسمح أحد بتمريرها، وهنا يمكننا أن نستخلص دون مجازفة تحليلية أنها رسالة دعم وطمأنة للشعب الفلسطيني ومقاومته من جهة، ومن جهة أخرى يمكن اعتبارها إنذارا لمن يسعى أو يحاول أو على الأقل، لا يمانع أو يتهاون في تمرير التفريط في القدس، سواء في الإقليم أو حتى في الداخل الفلسطيني.
وهنا ينبغي التوقف قليلا أمام ما نرصده من محاولات للالتفاف على النصر الفلسطيني، ومحاولات تفريغ إنجاز "سيف القدس" من مكاسبها ومعادلاتها الجديدة التي فرضتها:
أولا: هناك تركيز إعلامي وسياسي على غزة، وهو ما يمكن تفهم جانب منه باعتبارها عنوان الحرب الأخيرة وطرف المواجهة الرئيسي، لكن المبالغة في التركيز لا تخلو من شبهات، حيث تحصر القضية الفلسطينية في غزة فقط وإعادة إعمارها وكأن هناك دولة غزة بمواجهة دولة الكيان، وهو مسعى خبيث يخدم فصل غزة عن الضفة والقدس ويكرس المخطط الصهيوني ويعيده للواجهة بعد إفشاله بعملية سيف القدس.
ثانيا: هناك ترسيخ للانقسام الفلسطيني، عبر لقاءات واتصالات دولية وإقليمية متوازية بين السلطة وحماس وهو عين ما يريده العدو الصهيوني من تكريس الانفصال والادعاء بأنه لا يتعامل مع طرف فلسطيني موحد وإسباغ معقولية على فصله للملفات وترويج ذلك للرأي العام.
وهو ما ينبغي للفلسطينيين وتحديدا المقاومة معالجته بشكل عاجل بعد تصريحات متضاربة بين فصائل المقاومة من جهة وبين سلطة ترفع شعار "رفض العنف" من جهة أخرى، وهذه المعالجة يجب أن تكون حكيمة وتلجأ بها للشعب الفلسطيني ولو عبر فعالية لإبراز الالتفاف حول خيار المقاومة بكل أشكالها لتجنب السجالات السياسية التي قد تخدم العدو.
ثالثا: محاولة تدشين هدنة طويلة والتظاهر بأنها تخدم الفلسطينيين، هو أمر جد خطير، لأنه يساعد العدو على لملمة أوراقه والاستفادة من الجولة السابقة التي وضعته في مأزق تاريخي، ولملمة جبهته الداخلية والتفرغ لخلق بنك أهداف جديدة بأعصاب باردة بعيدا عن رعب الصواريخ المتساقطة فوق رأسه، ناهيك عن خلق فتن سياسية ومحاولة العبث بالحماسة التي تولدت لدى الشعب عقب سنوات من الإحباط، وهو ما يجب الانتباه إليه من جانب المقاومة التي تتطلع أعين الشعب الفلسطيني وأنصار المقاومة وفلسطين في جميع البلاد لها ولكيفية تعاطيها مع التطورات والاستفزازات الإسرائيلية المستمرة منذ إعلان وقف إطلاق النار.
لقد قال السيد نصر الله في كلمته أن معادلة ربط غزة بالقدس كانت انجازا، وأن المحك هو تثبيت هذه المعادلة، وبالطبع ترك تقدير ذلك وظروفه للمقاومة وقياداتها باعتبارهم الأعلم بظروفهم.
وهنا نحن نود بعيدا بالطبع عن المزايدات أن نلفت النظر لمحاولات الالتفاف المشار إليها وإعلان الدعم للمقاومة ووجوب الانتباه إلى الفخاخ التي تريد تحويل القضية من قضية تحرر وطني تنتهي بالتحرير إلى قضية إنسانية تنتهي بالمساعدات، ومن قضية احتلال للأرض والمقدسات يجب أن تنتهي بزوال الاحتلال والكيان، إلى قضية نزاع ينتهي باتفاق للسلام على غرار كامب ديفيد وأشباهها!
ويمكن هنا اقتراح توجيه دعوة للشعب الفلسطيني في كامل فلسطين المحتلة، في غزة والضفة والقدس ومناطق 48، لفعالية تعلن وحدة الشعب وكلمته وتمسكه بالقدس والتفافه حول خيار المقاومة، وهو ما يثبت انجاز الجولة الأخيرة ويقطع الطريق على محاولات الاتفاف الخبيثة ومحاولات تمييع القضية، وكذلك يقطع الطريق على الانقسام السياسي الذي تكرسه التصريحات المتضاربة بين المقاومة والسلطة.
إنها دعوة للاحتماء بالشعب ولحمايته، وهي بمثابة سيف أخر للقدس الذي لن ينضب غمدها من سيوف المقاومين.