على اعتاب ذكرى المقاومة والتحرير، وفي مثل هذا اليوم من العام 2005 كانت المفاجآت تستعد لتقديم صورة المقاومة الحقيقية والتي نازلت العدو وقهرته، وصولاً إلى دحرها عن معظم الأراضي اللبنانية في أيار/ مايو من العام 2000.
المقاومة الإسلامية التي حققت الكثير من الإنجازات الوطنية بدءاً من تحرير معظم الأراضي اللبنانية باستثناء مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، واستعادة الحقوق، وتحرير معظم الأسرى، والتي أخذت على عاتقها الدفاع عن سيادة لبنان بعد التحرير استطاعت بفعل معادلة الرعب ردع العدو عن التمادي في انتهاكاته البرية التي تقلصت بشكل كبير، واقتحمت مجالاً لطالما ظن العدو أنه مصدر تفوقه، وهو المجال الجوي، فكانت المقاومة بالمرصاد تقوّض هذا التفوق وتقتحم أجواءه بطائرة الاستطلاع من دون طيار مرصاد (1) لتضعه مجبراً أمام واقع جديد، وبالتالي معادلة جديدة زادت من القيود المفروضة عليه.
بعد التحرير ظن العدو أن المقاومة التي منعته عن الأرض لا يمكنها أن تمنعه عن السماء، وأن قدراتها متواضعة وغير فعالة مع طائراته الحديثة، ومع ذلك تمكنت المقاومة من خلال تصديها بالمدافع المضادة للطائرات من الشروع في معادلة ردع الانتهاكات الجوية، وتطورت هذه المواجهة إلى إطلاق المضادات في أجواء المستوطنات الشمالية لفلسطين المحتلة عند أي انتهاك للأجواء اللبنانية، ما أحرج الجيش الصهيوني امام المستوطنين. وفي مرحلة لاحقة، دخل هذه المواجهة تطور نوعي تمثل بإطلاق طائرة مرصاد(1) في أجواء فلسطين المحتلة في 7/11/2004 لتسجل أول عملية استطلاع في أجواء شمال فلسطين المحتلة، ما شكل مرحلة جديدة في إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي بهدف كبح جماحه في استباحة الأجواء اللبنانية التي بلغت في ذلك العام 925 انتهاكاً حسب إحصاءات الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية، و6107 انتهاكات منذ التحرير حتى العام ألفين وأربعة، وفق الاحصاءات نفسها، ثم أتبعت هذه الطلعة بطلعة أخرى في 11/5/2005، بعدما سجل خلال هذا العام 983 خرقاً جوياً.
وشكل تحليق مرصاد(1) مفاجأة كبيرة للعدو إذ لم يتوقع هذا الاحتمال الذي هز صورة تفوقه الجوي، ووضع منظومة أجهزة الرادار والإنذار المبكر لديه في قفص الاتهام، وانعكست حالة كبيرة من الإرباك الواضح لدى قيادة العدو.
الإخفاق الأول للعدو بعدم رصد أجهزة الإنذار لطائرة مرصاد(1) تكرر في الطلعة الثانية التي عززت مخاوف العدو بعدما أصبحت سمعة الجيش الإسرائيلي على المحك، وخصوصاً أن الإجراءات العملية والميدانية التي اتخذت عقب الطلعة الأولى لم تمنع الطلعة الثانية، وعبّر قادة العدو عن مخاوفهم من خطورة الاختراق النوعي. وقال أحد الضباط في منظومة الدفاع المضاد للطائرات في الجيش الإسرائيلي بشكل صريح "الخطير في الأمر هو أنه كما تسللت الطائرة بدون طيار إلى "إسرائيل" وخرجت بدون رقيب، كان من الممكن أن تدخل وسيلة طيران مفخخة وتحدث خسائر بشرية، وهو ما يجعل أمر الفحص غاية في الأهمية".
وأمام العجز الصهيوني عن رصد مرصاد(1) لجأ العدو إلى حليفه الأول الولايات المتحدة الأميركية لدراسة نوعية الطائرة ولمعرفة كيفية اختراقها الرادارات الصهيونية بدون أن تتحرك الصواريخ بناء للشيفرة التي تصل إلى هذه الصواريخ لتدمير أي جسم غريب يحلق في الأجواء، وخصوصاً أن خبراء من سلاح الجو الصهيوني الاميركي اعتبروا أن هذا الأمر بالغ الأهمية والخطورة، ويشكل تهديداً مباشراً للكيان الصهيوني.
وفي الوقت الذي ينتظر العدو الطلعة الجديدة ليختبر مجدداً أجهزته وإجراءاته، تبقى المبادرة في يد المقاومة التي لطالما نجحت في إبقاء العدو في دائرة الفشل، وفي كل مرة تفاجئ العدو من حيث لا يحتسب، كما كان عليه الأمر على الأرض إبان احتلاله الأراضي اللبنانية، وكذلك في الفضاء بعد دحره من جنوب لبنان.