...وأم راغب لا تضيّع بوصلة الحديث،تُحسِن قراءتها كثيرًا،
وتعرف كيف تثبّتها في المكان السهل حتى لا تنحرف:
"كان زواجنا أنا وأبو راغب بعد قصّة فلسطين بسنتين، لأن الشيخ راغب وُلد بعد تاريخ مصيبتها بأربع سنين، لذلك كانت فلسطين أكثر كلمة نسمعها وتخرج من أفواهنا بحسرة؛ كل مكان في بيتنا يشهد على هذا: الغرف، السطيحة، البورة، ولاحقًا دكان"أبو راغب"، ومصلحة "الدخان"، وكل الحقول التي عملنا فيها يدًا بيد.
نذكر فلسطين اكثر مما نذكر التبغ والزيتون وخبز الصاجة.
حتى سوق الإثنين في النبطية؛ أخبرني أبو راغب:"
كل مكان يتبادل فيه الناس البضايع كان العدد فيه تاجرَين اثنين، لذلك كنت كلما شفتُ جمعًا، يتجاوز الاثنين، عرفت أنهم يتحدثون عن فلسطين" بهذا أخبرني أبو راغب...
لفتتني كثيرًا عبارات الحاجة أم راغب الأخيرة، ذات اللغة البسيطة والحب العميق، وعرفتُ أن التجّار كانوا يتقايضون البضائع غير المتجانسة: القمح بالقماش، العدس بالأواني المنزلية، الخراف بأثاث البيت؛
وحدها فلسطين في ألسنتهم كانت لا تقايَضُ إلا بفلسطين.
فلسطين هذه تشبه توحيد الله، لا يؤمن بها مشرك...
مقتطف من مشروع كتاب "سكنة"
الذي يروي سيرة الحاجة والدة شيخ الشهداء راغب حرب