محمد كوثراني
(عن ساحر تاني إسمه "جهاد"، وكمان من بيت مغنيّة)
كنّا باجتماع مش مفروض يكون فيه، ودق الباب بطريقة مُلفتة، مش معروفة لا هي موسيقية ولا هي مشفّرة. حدا فتحله، وفات. طبّ قاعد عراس طاولة الاجتماعات، يعني لو رئيس الاجتماع ما بيقعد هيك، كلنا سكتنا (أو سكّتنا، ناسي).
أخدت معه تلاتين ثانية لغيّر الحديث كُلّياً. وبين الضحك واللّعب خربطّلنا الاجتماع كلّه. رجع بلش يسأل أسئلة بعدد القاعدين (لا معروفة مزح ولا معروفة جد)، أسئلة ما إلها أجوبة إجمالاً، كان عم ينط من واحد لواحد بطريقة مش مفهومة، مش مرتبطة ببعضها.
- يا جهاد بدنا نشتغل
- شو بدكن تشتغلو، شو بشتغلو إنتو؟ ليك حاج بشرفك، خطّي كتير بشع، بدّك تزبطلي ياه
- عراسي بس مش هلق، هلق مشغولين
- بشو (هون بلش بالضحك)؟ ما سألتكن شو بتشتغلو؟
وحياتكن أخد ورقة بيضا، وقعد يجرب خطّو إدامي. (فعلاً ما مارق عراسي خط أبشع)
وقبل ما أعطيه رأيي، بلّش يحكي شو شاف إشيا شواذ، بمشواره لعنا (مشوار تبع الربع ساعة يعني)
حكي عن شي عشرين شغلة، لدرجة إنه شفافو (المورّدين دايما)، ما كانو عم يلحقو على راسه.
ما في ولا أي شهيد مش قصّة (أصلاً ليصير الواحد شهيد، حتما يعني في قصّة بالموضوع).
بس صدقوني، جهاد مش حياللّه قصّة، ومش حياللّه شهيد.
جهاد هو حدا، روحه قد ما كبيرة، كانت دالقة لبرات جسمه. واللّه العظيم متل ما عم قلّكن.
دالقة لبرا، بتحس إنه بدّك تقعد تعبّي الروح اللي بتفيض حواليه. أصلاً جسمه ما كان ملحّق عليها.
غزارة روحه كانت تلحّق على عشرين واحد قاعدين بغرفة وحدة. وعشرين واحد من النوع المحرز كمان.
كان لمّا يطل (ما إله وقت طبعا)، كانت تحضر روحه كإنها شي هوا قوي كان يسفقنا كلّنا.
بدّك تسمّيه سحر، بدّك تسمّيه شعر، بدّك تسمّيه نثر، سمّيه.
هلقد قدرة على الملاحظة، هلقد سرعة بديهة، هلقد قدرة على ربط الأشياء ببعضها. يعني بتحس كإنّو إبن عماد مغنية يمكن؟. كان يطلب مني إحكيله قصص وخبريّات هوّي حافظها أصلاً، كان يحب يسمعها مرة تانية وتالتة ورابعة، بس ليرجع يضحك عليها (إنت شوف ملّا ضحكة). ما في ولا مصطلح ما كان يستلمه أو يعلّق عليه. مبسّط الإشيا لدرجة إنه تلقائيّا بحوّلك لطالب عنده بس يبلّش يحكي.
صدّقوني ما بعرف إحكي عن جهاد بطريقة مرتّبة منظّمة. ما بقدر. لأنه ببساطة شخص، بينعفك نعف. مش بس لمّا تشوفه، إلّا حتى مجرّد ما تفكّر فيه تفكير.
وولا يوم ما كنت متأكد، إنّو هيك نوع روح، رح تقدر تبقى بجسم، ما في مجال، ما بتزبط خيي، كتير ضيّق عليها، كتير مش شوي. هيك روح هلقد ساخرة من الدنيا، وبتضلها تضحك عليها، ناطرة مناطرة شي فرصة لتفل.
ولإحكيلكن الصراحة. لقلّكن إنو الصاروخ اللي استهدف السيارة اللي كان فيها جهاد بالقنيطرة من ست سنين متل هالإيّام (18 ك2)، ما جاب نتيجة! بكون عم كذّب عليكن.
لا جاب نتيجة، ونتيجة قويّة كمان، ومش حياللّه نتيجة.
هايدا الصاروخ شال الروح اللي كانت بجسم جهاد، ونشرها على مساحة آلاف الكيلومترات. لدرجة إنو ما بقي شاب بالمنطقة (بيعرفو أو ما بيعرفو) ما حِليت روحه من ورا روح جهاد.
- جهاد، بتعرف شو؟
- شو يا بيّي! (محط كلامه)
- كنت مفكر إنّه لمّا تفل، رح تحلى روحي من الوجع عليك. تاريها حِليت من الضحك معك.