الثامن من آذار/مارس عام خمسةٍ وثمانين، موعدٌ حدّدته وكالة الاستخبارات الأميركيّة لاغتيال آية الله الراحل السيّد محمّد حسين فضل الله. نجا السيد المقاوم ـ واجهة الحركة الإسلامية وطليعة الحالة الإسلامية في حينها ـ بمشيئة الله سبحانه وتعالى وببركة امرأة مؤمنة أصرت على توجيه سؤال له، فأخّرته عن موعد الخروج الى الفخ، ولم يصل في الوقت المحدد لميقات المذبحة، لكن عشرات الشهداء والجرحى سقطوا حينها ضحايا للإرهاب الأميركي الصهيوني في لبنان.
لم يستطع الإرهاب رغم ضخامة المجزرة كسر إرادة المقاومين في حينها. "لقد تحولت اميركا وعملاؤها الى موقع الدفاع وانتقلت من الفعل المطلق الى ردة الفعل" بهذه الكلمات استهل الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في ذلك الوقت خطابه في ذكرى أسبوع شهداء المجزرة.
السيد نصر الله تحدّث حينها عن كيفية مواجهة هذه المرحلة النوعية من الصراع، فحدد الأمور التالية:
أولاً: الحضور الشعبي في الساحة ضروري لاستمرار المعركة. عندما يصبح الصراع مسؤولية شعب تنتصر الثورات والشعوب. ان الحضور الكبير الذي تشهده حلبة الصراع الآن، حوّل الخوف في قلوبنا غضباً، ورفد المسيرة باستعداد ومعنويات أكبر للمتابعة حتى النصر.
ثانياً: يجب أن يتزايد وعينا مع تزايد الصراع، يجب أن يتصعد هذا الوعي كنتيجة طبيعية للقتل على قاعدة كلمة الامام "اقتلونا فإن شعبنا يعي اكثر فأكثر". نبدأ من هنا بوعي أعدائنا الأساسيين لنمدد الأولويات في صراعنا لا لنتلهى بحرب الشوارع والأزقة، لنوجه ضرباتنا الى الرأس لا لنتلهى بالذنب والذيول، ولنعي خطوات العدو وأن أهم مشكلة قد تفتعلها "اسرائيل" بعد انسحابها هي ايقاع الفتنة بين المسلمين، كما صرح بذلك رئيس حكومتها. هذه الفتنة كيف تواجه؟ تواجه بكل وعي وصمود وحذر وضغط على الجراح، يجب ان نتجاوز كل الحساسيات على الأرض وكل الخلافات على الأرض، عندما تنسحب "اسرائيل" سوف تبقى هناك أرض محتلة وسوف تبقى "اسرائيل" تمتد بيدها الآثمة لتزرع القتل والدمار في لبنان وفي المنطقة. حربنا مستمرة وبالتالي لا يجوز أن نضيع هنا. هناك مسؤولية شرعية أضعها في عهدة الجميع، فـ"إسرائيل" عندما تحضّر للفتنة بعد الانسحاب، تحضّر للفتنة من خلال من؟ طبعاً من خلال عملائها في الداخل، هؤلاء العملاء يجب ان يكون هنالك موقف للمسلمين ولهذا الشعب منهم.
ثالثاً واخيراً: هذه المقاومة بدأت ليس بالمقومات المادية، بدأت بروحيتها ولذلك كنا نقول دائماً "اسلامية" لأنها تحمل روحية الاسلام. هذه الروحية يجب أن تُحفظ، ما قاتل المسلمون في لبنان بالقوى المادية وانما قاتلوا بتاريخ 1400 سنة، قاتلنا بكربلائنا، وبحسيننا وبتاريخنا، وبحضارتنا وبتراثنا، بهذه الروحية استطعنا أن نهزم "اسرائيل" ويجب أن نحفظ هذه الروحية، ان نوفر المقومات المادية هذا واجب شرعي ولكن ان نحفظ هذه الروحية هو الأساس قبل كل شيء.
وتابع السيّد "لنا رجاء كبير بأن "إسرائيل" ستهزم لأننا نقاتل كجزء من حالة الصراع الكبرى، نقاتل كجزء من ثورة تنمو وتتنامى وتشتد وتقوى"، خاتماً بالدعوة الى "تحمل الآلام واكمال المسيرة، لأن الآلام تحملناها مئات السنين فلنحملها سنوات أخرى حتى اجتثاث الكيان الاسرائيلي السرطاني".