خالد رزق(*)
ربما لا يعرف كثير من أهلنا أهل المقاومة في لبنان مكانهم الحقيقي في قلوب الملايين من أبناء أمتنا ولا حجم الدور الذي يراهم عليه كل ذي عقل واع وضمير حي مؤمن بالحق في الحرية والحياة والسيادة، وعليهم تقوم كل قضايا وجودنا ومصيرنا على هذه الأرض عربية اللسان، وتكتسب شرعيتها الإنسانية تماماً كما تمنحها معطيات التاريخ والجغرافية الشرعية.
أما عن المكان في القلوب في الأعظم فما من عربي حق ومن دون اعتبار لاختلاف الانتماءات دينية طائفية و أي ما كانت الاختلافات إلا ويضع حزب الله في أعلى مراتب الاحترام و لا أظنني متجاوزاً إن أضفت والعرفان ذلك أن المقاومة اللبنانية ومن بين كل الكيانات النظامية وغير النظامية في بلادنا العربية منذ مواجهتها الأخيرة مع العدو في حرب تشرينالأول/ أكتوبر قبل أكثر من 45 عام كانت وبعدها هي الفاعل الوحيد المؤثر في مواجهة العدو الصهيوني المحتل، من تحرير للأرض اللبنانية وما هو أكثر ضرب وتهديد العمق من كيان الاحتلال في أرضنا المحتلة .
أما حجم الدور فيكفي أن حزب الله يكاد يكون هو الجهة الوحيدة غير سوريا ـ أخرجها ـ الله مما هي فيه وردها إلى دورها المجيد الذي يراه العرب كل العرب وأمتنا بل وكل صديق مؤمن بالحرية فهو عظيم و آخذ بالتعاظم أكثر وأكثر لثبات موقف الحزب وسط محيط عربي تنحرف فيه كل المسارات الرسمية وغير الرسمية عن الوجهات الصحيحة التي تعرفها وتؤمن بها الشعوب وتأمل في الوصول إليها، محيط ملوث تمتزج ففيه الخيانات بالتبعية والوهن والخنوع .
دور المقاومة ومكانها بالوجدان العربي اللذين نغبطهما عليه، هو تماماً كما شعلة نور في ظلمتنا العربية، وهو لذلك دور يعرفه ويحاربه كل عدو كاره لاستقلالنا ولمبادئنا ولحضارتنا، ويحاربه أكثر أعراب وعرباً صاروا أشد انحطاطاً من المستعربة، حكام مغتصبون للسلطة ناهبون لثروات الشعوب لا يرضي وجودهم غير الأعداء ولهؤلاء هم يرضخون فيسلمونه مقدرات أوطانهم ومصائر شعوبهم.. ولهذا تجدهم الأشد كرهاً لدور مقاومة تفضحهم وتعري رجولتهم الكاذبة.
الأسبوع الماضي حمل للبسطاء الطيبين من عوام أمتنا الذين اعتادوا تصديق حكامهم صدمة جديدة مهولة في تأثيرها.. إذ طالع القاصي والداني كيف اجتمع رعاع الأعراب والعرب في العاصمة البولندية وارسو برئيس وزراء الكيان الصهيوني تحت إشراف نائب الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية وآخرين يمثلون في مجملهم كل القوى المتجبرة المعادية المحتلة لأقسام من بلادنا والتي قتلت الملايين من أبناء شعوبنا وبعدها تُعمل فينا القتل..
ببساطة اجتماع الجهر بالتطبيع وإشهار تنازل لم تفوضهم به شعوب مكتومة أصواتهم عن قضية الوجود والمصير المركزية عند كل عربي مسلم ومسيحي، والتي وصف وزير خارجية سلطنة عمان المؤمنين بها بمن فاتهم التاريخ.. والأسوأ إنه اجتماع التآمر العلني على إيران هذا البلد المسلم المتسامح القريب الذي لم يقترف سوى الاستمساك باستقلال القرار الوطني والقبض على الإرادة وامتلاك أسباب القوة ليكون موجوداً مسموع الصوت بين الأمم، غير إيمانه بقضية المصير وبحق المقاومة.
صدمات كتلك هي أكثر ما يثبت مكان حزب الله في القلوب وأشد ما يعزز أهمية دوره وأنا هنا أتحدث عن القيمة المعنوية لهذا الدور والذي أجزم بإنها إن لم تكن قائمة لسقط إيمان شعوبنا بكل الأشياء، إيمانهم بالصواب وحتى بأنفسهم.. فلولا المقاومة التي يشهد موقفها ويشهد فعلها بأن ثمة بشراً أصحاب كرامة وعزم في أمتنا لارتابت الشعوب في أمر نفسها.
أغبط المقاومة ورجالها ولكن أشفق عليهم مما هو آت، فهذا الفجر الفاحش في إعلان التحالف التآمري مع العدو يشي بتفعيل أسوأ الخطط وأبعدها تصوراً، تحالف على قذارته أؤمن بأن المقاومة ستنتصر عليه ولكنه لا ينبغي أن يؤخذ بخفة.. إذ نحن أمام من ذهبوا للحد الأبعد في التناقض مع مبادئ الكتلة الساكنة الأعم في شعوبهم والتي إن تسارعت حركتها فستصل إلى الحجم الحرج وتقتلعهم من عروشهم وهم يعرفون ويعولون فقط على قمع الشعوب وحماية الأعداء لهم لقاء خيانتهم وتسليمهم أوطاننا.
قبل أعوام و مع تصاعد نفوذ آل سعود في المنطقة كان أول ما سعوا إليه ونجحوا فيه إلى حد كبير هو التضييق على المقاومة اللبنانية تحديداً ومنع نفاذها إلى الشعوب بحجب صوتها "المنار" وتوالى حجب كل نوافذ الإعلام المقاوم لبناني وسوري و إيراني وغيرهم على اختلاف وسائطه وصوره مرأي ومسموع وإلكتروني، وذلك ضمن خطة استهدفت تغييب الحقائق وتزيف الوعي وإحباط الروح المعنوية لشعوبنا التي عملوا على تغيير وجدانها لتقبل العدو المغتصب كوجود حتمي لا خلاص منه قبل أن ينتقلوا للخطوة الأشد إجراماً التي يحرمون ويؤثمون فيها الفعل المقاوم ويعتبرون فيها العدو صديق وحليف ويضعون إيران القوة الصاعدة صاحبة القرار والإرادة المستقلة في أمتنا هي العدو الذي على الشعوب القبول والمناداة بمحاربته بدلاً من الصهاينة.
والأكيد أن حجب القنوات والمواقع هو شكل من أشكال الحرب العدائية القائمة على محور المقاومة دول، أحزاب، حركات وأفراد من شعوبنا مؤمنين بالمقاومة ولا سبيل ليس لكسب المواجهة وإنما لمجرد الدخول إلى ساحتها سوى بامتلاك مفاتيحها وأسلحتها وأدواتها وفي ذلك ورغم إدراكي لأولويات الإنفاق أقول يحتاج محور المقاومة قمراً صناعياً بالمدار.. وامتلاك تكنولوجيا وسائط الاتصال الجماهيرية فالإعلام هو ساحة البناء والحشد المعنوي الأهم لشعب المقاومة وأهلها على امتداد أمتنا وهو ساحة الصراع الأشرس مع العدو وأعوانه وأتباعه في المنطقة ولا مكان فيه لضعيف ولا لمن لا يملك وسائطه قبل وسائله.
في هذه المرحلة البائسة من تاريخ أمتنا المبتلية بخيانة حكامها، نحمل محور المقاومة أمانة الوعي تماماً كما نحمله أمانة القتال والزود عن كرامة شعوب يسعى حكامها وتسعى الدنيا كلها لحرمانهم الكرامة لإعلام المقاومة وله مصداقيته لا ينازعه فيها أحدا مهم أن يقف في مواجهة إعلام دجالين جزيرة العرب وغيرهم ممن استمرأوا الخنوع.
(*) نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار (مصر)