يحمل سلاحي بيكاسي بيديه كمن يحمل قلمين، يقاتل قتال الكربلائيين الأحرار، وعند علمه بالتحضير لأي معركة كان يسارع في طلب الالتحاق. ورغم أنه لم يشفَ تماماً من إصابته في معركة القصير، راح يلح للمشاركة في المعارك اللاحقة. لقد خبُرَ أصوات الصواريخ والطيران الحربي والقذائف والرصاص، فهي جزءٌ أساسي من المعركة. كان يتقن تطويع الأسلحة بين يديه، فيعزف بها فنون القتال. ومعارك الغوطة ودير سلمان والقصير والقلمون وغيرها تشهد. هو المقاتل ذو البأس الشديد، المدافع الفذ عن دين محمدٍ وآل محمد. هو ابن مدرسة كربلاء، تشرّب منها ما غذّى عقله وقلبه وروحه، واسم الحسين يتقاطر في مسمعه دوماً.
كيف لا وأول ما عزفه كان لحن الحسين عليه السلام في مسيرة العاشر من محرم، وهو في عامه السابع ابن كشافة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، لينضم في عامه الخامس عشر إلى الفرقة الموسيقية للكشاف. رغم حياة الرفاهية التي كانت تحيط به، يختار حسن الأصعب من كل شيء. يقول عمه الحاج علي باجوق وهو مفوض الموسيقى في كشافة الإمام المهدي، والمسؤول عن الفرقة الموسيقية، ومدير عام وقائد أوركسترا شمس الحرية، "أول ما اختار حسن كانت آلة التوبا باص، وهي من الآلات الصعبة وغير المرغوب بها، لكن حسن أثبت جدارته فيها." واللافت أكثر أن اختيار حسن لهذه الآلة كان بناءً على سؤاله لعمه: "وين فيي إكسب أجر؟" هو لم يتعاطَ بشخصانية مع عمه -قائد الفرقة آنذاك- فلم يطلب منه أن يختار له أفضل أو أسهل آلة. كما أنه على مدى سنوات لم يطلب من عمه أي طلب شخصي، ولم يتأخر ولو لمرة واحدة عن التدريب، كان يتعاطى مع وجوده ضمن الفرقة بمسؤولية شرعية، ويدرك أن وقت التمرين ثمين، وأنه يجب على الفرقة أن تبقى بأفضل طلة وأفضل عزف.
عزف حسن في يوم القدس، في مسيرات العاشر من محرم، في أيام انتصارات المقاومة، في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، وغيرها من المناسبات التي كانت تشارك فيها الفرقة.
على الرغم من صعوبة آلة التوبا باص وعدم رغبة الموسيقي بشكلٍ عام في العزف عليها كونها لا تأخذ لحناً، ولا يُستطاع العزف بها إلا ضمن فرقة، فلا يفرح الموسيقي بها لأن الموسيقي عادةً يفرح بالجملة الموسيقية، لكن حسن لم يطلب يوماً أن ينقله عمه قائد الفرقة الموسيقية إلى آلة أخرى. فهو الذي يهوى الصعاب، خصوصاً في العطاء، وفي العطاء الجهادي، هو من كان يشارك في معارك الدفاع المقدس الأكثر قساوة وضراوة.
هو الذي كان يقول لوالده "إنت اللي ربيتني ع حب أهل البيت والخط الجهادي روحي." ويقول لأمه "الخط الجهادي خطي، يللي بيقول لبيك يا حسين بدو يقاتل، بدو يجاهد، مش مجرد كلمه لبيك يا حسين."
يقول المايسترو الحاج علي باجوق: " قد يعتقد البعض أن الموسيقي لا يمتلك الحس الجهادي أو لا يتعاطى في هذا الميدان، لكنه مخطىء من يعتقد ذلك، خصوصاً في أثر الموسيقى العسكرية، ففي التاريخ كانت الفرقة الموسيقية هي من تتقدم الجيوش بل ويكون أعضاء الفرقة أول ضحايا الحرب."
نشأ حسن على الأناشيد الثورية من مرحلة ما قبل التحرير خصوصاً وأن قريته "عيتا الشعب" كانت ضمن الشريط الحدودي المحتل آنذاك. كان دائماً ما يردد تلك الأناشيد، وغرست فيه حب الجهاد، وموسيقى الجهاد، وهو الذي شارك في العزف ضمن الفرقة في تشييع القائد الشهيد الحاج عماد مغنية عام 2008.
كان لحسن حضور محبب لدى رفاقه في الفرقة، وكان معروفاً بـ "أبو علي"، وهم الذين دائماً ما كانوا يرددون أن "أبو علي أساسيّ في هذه الفرقة، ومن الشباب البالغي الأهمية الذين مروا على الفرقة." وما كان يلفت الرفاق، أن أبا علي دائماً حاضر عند أي طلب، ومهما كان الطلب.
ذات مرة، استقدمت أوركسترا شمس الحرية خبيراً بولونياً، وشاهد وسمع أداء حسن على آلة "التوبا باص". أبهره أداء حسن، وعبّر عن ذلك بأن توقع له مستقبل عظيم. لم يكن يعلم الخبير الموسيقي البولوني أن حسن الموسيقي، المرهف الإحساس، والذي يمتلك أذنا موسيقية، هو نفسه من كان يهتف على الجبهات وهو يؤدي التحية لراية هيهات منا الذلة "قسماً برأسك الشريف يا أبا عبدالله، وبجدك وأبيك وأمك الزهراء وأخيك، والتسعة المعصومين من بنيك، لن تسقط الراية، لن نترك السلاح، لبيك يا نصرالله."
في السابع من أيار عام 2015، صلّى "أبو علي عيتا" صلاة العاشقين الوالهين الواصلين، وانطلق إلى المعركة في "عسال الورد" في "القلمون"، وكون حسن مسؤول المجموعة كان في المقدمة، فجأةً دوّى انفجار تشريكة، واستشهد حسن.
مع أصوات الزغاريد علت أصوات الفرقة الموسيقية تحت منزل أهل حسن، فالمناسبة زفّة "أبو علي"، عريس السماء، عريس الكشاف والفرقة الموسيقية، عريس ساحات الجهاد. عزفت يومها الفرقة الموسيقية دون حسن، المحمول على الأكتاف، والورد يُنثر على نعش حسن والرفاق. لِما لحسن من مكانة في جمعية كشافة الإمام المهدي والفرقة الموسيقية كان لا بد لزملاء حسن أن يعزفوا في تشييعه، حتى لو غسلت الدموع وجوههم. فكان المشهد المهيب، الفرقة الموسيقية لكشافة الإمام المهدي تتقدم التشييع، تعزف ألحان الوداع والعهد لحسن، من منزله وحتى روضة الحوراء زينب عليها السلام.
يقول المايسترو الحاج علي باجوق: "حين تكون الموسيقى موجودة، تترك أثر وتُأجج المشاعر، فكيف إن كانت الموسيقى تُعزف لشهيد، وكان سابقاً يقف بينهم ومعهم. لا تزال صورة وصوت الفرقة الموسيقية في تشييع حسن حاضرة في وجداننا. حسن إبن أخي وحبيب قلبي وبكل فخر هو الآن أستاذي، وقد ترك بصمةً في الفرقة الموسيقية لا تُمحى."
في الفرقة الموسيقية لكشافة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ثمانية شهداء، وجميعهم -كما بقية أعضاء الفرقة- متطوعون، تُزين صورهم قاعة التدريب، وانحفرت أصواتهم ومواقفهم في قلب أفراد الفرقة، في آلات العزف وألحانها، في أنفسٍ جعلت منهم قدوةً ومنهجاً.
نعم، يمكن لمن يحمل آلةً موسيقية أن يحمل رشاشاً، يمكن لمن أتقن فن الموسيقى أن يتقن فنون القتال، يمكن لمن عزف وسمع ألحاناً أن تضج آذانه بأصوات الرصاص والمدافع والقنابل. هم خيرة شبان أحبوا الحياة كما يجب، حياةً لا ذل فيها، لم يتقوقعوا ولم ييأسوا منها، هم أتقنوا بحقٍ فن الحياة وثقافتها، غذوا أرواحهم بعشق آل بيت محمد الأطهار، وامتد فيهم دم كربلاء، صدحت في آذانهم كلمة هيهات منا الذلة، اشتروا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله، فربحت تجارتهم.
قالها الشهيد القائد الحاج عماد مغنية: "الأصل هو الروح، الروحية الإيمانية والروحية الجهادية، اللي بتقاتل فينا هيي الروح."