خالد رزق (*)
منذ هل علينا سماحة السيد حسن نصر الله في حديثه الحواري قبل أيام وأنا في حيرة من أمري ما الذي أكتبه هذه مناسبة انتظرها كما ملايين العرب المؤمنين بالمقاومة والنضال والجهاد في سبيل الأوطان والحرية الإنسانية، هذا حديث انتظره بتطلع المشتاق لسماع ما يحب ممن يحب، ولمرأى العدو إذ يستقبله مرتعدة فرائصه، ففي كل الأحوال وأياً كان حجم وقوة أي جيش في بلادنا وما يفرضه على العدو من حسابات.. ـ تبقى ـ حساباته لفعل المقاومة اللبنانية حزب الله مختلفة وبالكلية من حيث مستوى ما تمثله المقاومة من تهديد حقيقي صريح هو الأقرب و الأكثر تأثيراً على الأرض و بقلب كيان العدو المحتل مع حرية ومرونة بالقرار أكثر من أي قوة نظامية و غير نظامية في المنطقة كلها ما يجعله الأسرع في الفعل العسكري المنطلق من إرادة مقاوم مبدأي في توجهاته لا يعرف المساومة في مقابل جماعات وحتى جيوش عربية تحكمها و تتحكم بها السياسة وهذه تبعد وكثيراً جداً عن الاستمساك بالمبادئ في أغلب الأحوال ما يجعل خطرها على العدو و تهديدها له خياراً تحرص على أن تبعد عنه و إلى أطول فترة زمنية ممكنة إذ تقوم حساباتها أكثر على ما تخسره في مقابل تحقيق هدف.
والمقاومة هي وبحد ذاتها فكرة إيمانية إنسانية راقية لا يفهمها ويعتنقها سوى من كان حراً ولد في أمة حرة الوجدان غذت فيه العزة و الكرامة و في سبيلهما ترخص عند المقاوم كل الأشياء و أنفسها "الروح" ، و إلى هذا فهو يوقن بأن من يحسبون فعل المصير بموازين رقمية جافة تفتقر إلى تقدير وزن الإيمان بالقضية و تأثيره الأهم في أي و كل صراع بين معتدي غاضب وصاحب قضية عادلة يتصدى له من أجل حقوق الشعوب و حرية الأوطان وسيادتها على أرضها و استقلال قرارها.
وبعيد عن تحليل الفعل المقاوم و السيكولوجية التي تحكم تفكير الإنسان و الفرد المقاوم ، و الذي لابد أن يكون شريفاً مخلص في نواياه و مقاصده عالم بقضيته مؤمن بأهداف تتجاوز ذاته إلى الأعم و الأشمل أعود إلى حديث سماحة السيد حسن نصر الله ، حديث جاء بعد زوبعة دعائية كاذبة أطلقها إعلام العدو الصهيوني و شاركه بها إعلام عربان المنطقة ، فأثلج صدور أحبابه وضح كالعادة الكذابون ومن والوهم .. وفي الحديث لن استغرق في أبعاد الرسائل العسكرية التي وجهها السيد نصر الله للعدو وهي واضحة شاملة أتصور أنها أربكت كل خطط الصهاينة التي صار عليها أن تعود إلى مبادئ الدفاع وبدرجة أكبر مرات مما اضطرت له في المواجهات البرية بحرب تموز، مع اختلاف أساسي في ساحة الميدان التي فهم الصهيوني بأنها ستكون على أرض تحت سيطرة حكومة المستعمرين.
أقول إن هناك رسائل أخرى لها دلالاتها لمن يريد أن يفهم حزب الله و المقاومة ، و لماذا هو غير كل الحركات المقاومة في المنطقة كلها ، فمن ناحية كرر نصر الله غير مرة و في أكثر من مناسبة و مقال في حواره أن القرار في حزب الله و مهما كانت القضية لا يكون إلا بدراسة وبتشاور بين الإخوة في قيادة حزب الله بل و استخدم تعبير أنا و إخوتي في كل حزب الله ، ببساطة أعلن الأمين العام لحزب الله أن القرار عند المقاومة ليس أبداً فردياً وفي ذلك ما يطمئن الكل على مستقبل مقاومة كانت لتبقى و لتستمر إذ تربي أبناءها على الحرية و لا تعرف ديكتاتورية القرار .
وليس من باب غير باب الوضوح فصل نصر الله وبذكاء شديد بين ما للمقاومة وما للدولة ، فصل من يضع كل الأمور في نصابها و ليكشف الحد الذي فرضته المقاومة على نفسها فيما يتصل بحق الدولة اللبنانية و أين وكيف يكون دور المقاومة و في ماذا ترى الدور هو للدولة فلا تطلبه لنفسها و لا تفرضه عليها ، فللمقاومة كما قال حق الدفاع و مواجهة العدوان على لبنان وكحق إنساني ووطني طالما لم يأتي من يقوم بالواجبات الدفاعية على النحو المطلوب و الذي إن جاء ستنكفئ المقاومة مختارة، وللدولة وحدها حق ترسيم الحدود و تحديدها و في الأمر تقف المقاومة خلف الدولة التي تتحمل مسئوليتها عن الأمر أمام الشعب وإلى ذلك فالمقاومة معنية بتحرير الأرض التي تقول الدولة بلبنانيتها.
قبل أن تنتهي حيرتي و أشرع بالكتابة أطل علينا ثانية بدر هذا الزمان المقاوم السيد نصر الله ، ومجدداً أوضح أن الجيش اللبناني محروم من السلاح اللازم للنهوض بواجباته و عرض تزويد الجيش اللبناني بسلاح دفاع جوي إيراني باعتباره ووفق كلمته المحددة صديق لإيران .. ببساطة وضع سماحته لبنان والدنيا كلها أمام حقائق ومعطيات الواقع الذي فرض قيام حزب الله والمقاومة كخيار وجودي للوطن اللبناني ولا أراني متجاوزاً إن قلت وللأمة كلها.
ولم يستنكف نصر الله أن يوضح للأغبياء والعملاء ومن يدعون علينا الجهل في هذه الأمة ما هو جلي لا يحتاج شرح ولا تعريف إذ فصل تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وأطرافه وقد سبق الثورة الإيرانية بعقود، فاضحاً أدوار المستعملين من أنظمة جزيرة العرب والخليج والكيان كأدوات للحرب الأمريكية على إيران التي استقلت بقرارها الوطني لأربعين عاماً.
أخيراً خللوني أكلمكم مصري بلغة ولاد البلد في المحروسة شوية، الرجل الذي يحفظ للدولة حق القرار ويحفظ للوطن حق المقاومة والقتال دفاعاً عن الوجود والكرامة عداه العيب وهو كما يقول ناسنا ابن أصول آكل على طبلية أبوه ..
تحية إلى المقاومة وإلى رجل صاحب مبدأ وعقل واع يطمئننا على المصير في زمن عز فيه الرجال وعقمت فيه العقول.
(*) نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار ـ (مصر)