علي شعيب
في صبيحة الرابع من الشهر الحالي استفاق المتابعون للوسائل الإعلامية على صخب خبر إطلاق العدو الصهيوني إجراءات جديدة على الحدود مع لبنان مطلقاً عليها أسماء (لسنا بوارد تبنيها) وسبقها بعبارة "عملية" لترفع من وقعها على أذن المستمع أو عين القارئ!! إضافة إلى وضع هدف كبير لها ظاهر عنوانه الكشف عن "أنفاق" قالوا إن حزب الله قد حفرها في الأراضي المحتلة!
كيف كان المشهد عند الحدود في ذلك الصباح؟
للوهلة الأولى اعتقد الكثيرون أن العدو ذاهب إلى التصعيد مع ارتفاع ضجيج أصوات 4 حفارات خلف الجدار توزعت بين نقطتين، الأولى قرب "بوابة فاطمة" والثانية قرب عبارة المياه على طريق كفركلا - العديسة.
خلف هذا المشهد كان الإعلام العبري بأمه وأبيه ومعه وسائل إعلام غربية يرافقهم الناطقون باسم جيش العدو باللغة العربية والعبرية، منتشرين في نقطة مشرفة على الأشغال، وفُتح لهذا الحدث الهواء على معظم القنوات، في المقدمة بين الجنود ايضاً من يحمل كاميرات في اليد وعلى الرأس (جنديان اثنان عند كل نقطة من الاعلام الحربي المعادي).
ما هي إلا ساعتان حتى أعلن جيش الإحتلال عن العثور على "نفق" وبث صورة فوتوغرافية!!! الأمر الذي تلقفه الإعلام العبري بكثير من المبالغة وتسليط الضوء على الإنجاز المفترض.
بعد ساعة بث العدو صورة تشبيهية لمسار النفق في الأراضي اللبنانية، ثم أتبعها بمشهد فيديو، واضح انه كان محضراً سلفاً بسبب عدم القدرة على تصوير أعماق الأرض بهذه السرعة القياسية عبر كاميرا صغيرة!!
هنا تبدو المفارقة في تحقيق مثل هذا الإنجاز السريع والمتدرج إعلاميا! في كفركلا، بينما استمر حفر 36 بئرا مقابل رامية ليعلن العدو بعد 18 يوما عن تفجير "نفق" من دون دليل مثبت على وجوده في ظل غياب الإعلام وهذا ما كان يقوم به قبالة عيتا الشعب وبليدا وما زال العمل متواصلا من دون نتيجة!!
هنا يحضر السؤال، أليس هو نفسه الجيش الذي اكتشف نفقا خلال ساعتين ويعجز عن إثبات دليل على كشفه لأنفاق أخرى؟؟ ادعى كشفها؟؟
على أن العدو أرفق إجراءاته بحملة تهويل على حزب الله والدولة اللبنانية والمدنيين عبر اختراق شبكة الاتصالات وبث رسائل صوتية تهديدية!!
كيف واجه اللبنانيون هذا التحدي (وهنا لا بد من التنويه على وحدة الإعلام اللبناني في توجيه الرسالة الإعلامية المضادة للعدو)؟
الدولة اللبنانية تعاملت بهدوء وحنكة في هذه القضية ورفضت املاءات العدو، اما الجيش اللبناني فكان على تماس مع جنود العدو وأثبت قدرته على أخذ زمام المبادرة وعدم التنازل حتى عن شبر واحد من التراب مستندا على المعادلة الثلاثية، وهذا ما تكرس في أحداث ميس الجبل اليومية حيث أجبر العدو على إعادة الاسلاك في خمس نقاط كان آخرها عن 5 سنتيمترات منتصرا في حرب الإرادات.
اما شعبيا فكان الرد بلحظتها من خلال تكثيف عبور السيارات اللبنانية بمحاذاة الحدود وعلى بعد أمتار عن الحفارات الإسرائيلية غير ابهين لما يجري خلف الجدار على الرغم من تهديد العدو للبنانيين بالابتعاد عن محيط مناطق الحفر.
وإلى "كروم الشراقي" حيث تحول جنود العدو إلى أضحوكة بيد الأطفال وذويهم بفضل سياسة حرب نفسية نقلت المشهد الإعلامي من كفركلا إلى ميس الجبل بعد صور ونشاطات تهزأ بالإحتلال وأظهرت هزالة الجندي الإسرائيلي المدجج والذي يظهر نائما أثناء الحراسة ومخالفا لقانون الخدمة من كشف للوجه والتدخين خفية خلف الصخرة ورفع البندقية بوجه طفل يحمل جرافة كل ذلك دفع الإعلام العبري الى مواكبة كل ما يحصل في ميس الجبل على حساب تغطية أخبار الانفاق وتساءل المحللون الصهاينة: "قوات الكوماندس التي تم دفعها إلى الحدود باتت عرضة للتندر والسخرية كيف يحصل ذلك؟؟"
من جهته بقي حزب الله طوال هذه الفترة وحتى الآن يمارس سياسة الصمت المدوي على اعتبار أن كل ما يجري خلف الحدود لا يستدعي التعليق.
في المقابل، ارخت العملية الإسرائيلية وظلالها بحالة من القلق والتوتر بين المستوطنين الصهاينة خشية رد فعل مقابل، الأمر الذي استدعى زيارة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو إلى مستوطنة مسكفعام الحدودية مقابل العديسة ولقاءه رؤساء ما يسمى المجالس المحلية في كريات شمونة من أجل تهدئة روعهم، ومثله فعل رئيس الأركان وبعض قيادات الصف الأول، وتوجيه الإعلام العبري نحو عكس حالة الطمأنينة بين المستوطنين بعد أن كانت الوجهة كشف "الأنفاق"!
ومن إحدى الملاحظات على مجريات الأحداث تحويل حفرة "المطلة" دون سواها إلى مزار استدعى العدو إليها البعثات الدبلوماسية في كيان العدو من أجل الضغط على لبنان في المحافل الدولية!
من الملاحظات أيضا، ان كل الإشكالات التي حصلت على الحدود مع جنود الإحتلال حصلت مع الجيش اللبناني خصوصا في ميس الجبل وعلى الرغم من ذلك كان إعلام العدو يحرّف الحقيقة ويزج اسم حزب الله في كل حدث.
ومع سقوط أهداف المشروع الإسرائيلي الذي اعتمد على التهويل والتهديد، يظهر جليا، أن كل تداعيات الهمروجة الإعلامية بقيت تترنح خلف الجدار، ولا يزال المستوطنون وحدهم يسمعون صداها وترددها.. في ظل صمت الجرافات الإسرائيلية على الحدود والعودة اليوم إلى معزوفة الجدار من جديد حيث عاود العدو العمل في تركيب سياج حديدي عليه بعد توقف استمر منذ بداية إطلاق أشغال الحفر بداية الشهر الحالي.
في المحصلة لم يجنِ العدو من كل إجراءاته اي انجاز على الصعيد العسكري أو الإعلامي والنفسي، بل على العكس فقد خسر المزيد من الثقة لدى جمهوره، ولم يفرض أي معادلة جديدة لدى الجمهور المقابل، وأظهرت كل الأحداث أن كل ما يقوم به ناتج عن هاجس لبناني لا يفارقه، وهذا ما يستدعي المزيد من حبس الذات من خلال العودة إلى استكمال بناء الجدار في نقاط جديدة، وهذا ما وعد به مؤخرا قائد فرقة الجليل في جيش العدو "رافي ميلو" أثناء لقائه سكان المستعمرات الحدودية مع لبنان.