في محاولة أمريكية لضرب عصفورين بحجر واحد، طرح "جيمس ماتيس" وزير الحرب الأمريكي ما أسماه مقترحأً لإنهاء الحرب في اليمن، طالباً إعطاء الحكم الذاتي لمن أسماهم "الحوثيين" في مناطق سيطرتهم، والتي تمتد في شمال اليمن، بالإضافة لنزع الصواريخ البالستية والطيران المسير وتسليمها لطرف ثالث، وانسحاب المسلحين من المدن، في نموذج مشابه لخطة وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري. ليلي تصريح ماتيس تصريح آخر لوزير الخارجية "مايك بومبيو" داعياً لـ"وقف القتال فوراً" والاستعداد لمشاورات تتم خلال مدة لا تزيد عن 30 يوماً.
التصريحات الأمريكية لوقف الحرب لاقت أصداءً وتفاعلاً عالمياً، حيث طالبت كل من ألمانيا وفرنسا بالإضافة لعدد من الدول الأخرى إنهاء الحرب، ما زاد نسبة التفاؤل دولياً حول التوصل لحل "أزمة القرن إنسانياً" كما وصفتها الأمم المتحدة في اليمن. لكن الميدان يشير إلى عكس ذلك، حيث بدأ تحالف العدوان السعودي الأمريكي هجوماً واسعاً في الساحل الغربي اليمني، في محاولة للسيطرة على مدينة الحديدة والوصول لمينائها ومطارها، وهنا يكمن بيت القصيد: حديث "ماتيس" الذي تحدث عن الحكم الذاتي "للحوثيين" لم يكن عن نية حسنة البتة، لأن الوقائع الميدانية تشير إلى أن "ماتيس" يريد بالإضافة لتقسيم اليمن، حصار المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة اليمنية بعد إعطائها الحكم الذاتي الذي سوف يسبقه انتزاع ميناء ومطار الحديدة من قبضة الجيش اليمني، ما يجعل المناطق التابعة لحكومة صنعاء معزولة عن البحر، ومسلوبة المنافذ البحرية، عندئذ يمكن إخراج السعودية من كونها سبباً في المأساة الانسانية في اليمن لتحمل حكومة الإنقاذ الوطني إزراً لا طاقة لها به، وهو صرف المرتبات وتأمين واردات للدولة دون وجود منفذ بحري لها، بالإضافة لعدم توفر موارد نفطية كافية كون معظم حقول النفط موجودة في محافظتي المهرة وحضرموت الجنوبيتين، ما يضع الحكومة اليمنية في موقف لا تُحسد عليه.
ميدانياً شن طيران العدوان سلسلة من الغارات المكثفة والقصف التمهيدي العنيف من البوارج والمدفعية الثقيلة، كتمهيد لعملية تقدم برية واسعة قوامها أكثر من 20000 مسلح تابع لقوات طارق عفاش، واللافت في هذه الحملة العسكرية غياب ما يسمى بقوات العمالقة المكونة من مسلحين من أبناء المحافظات الجنوبية المحتلة، وتعزو مصادر يمنية محلية غياب "ألوية العمالقة" عن الحملة الأخيرة على الحديدة إلى الخسائر الكبيرة التي مُني بها هذا الفصيل في العمليات السابقة على المنطقة نفسها، ومقتل أهم قادته على يد مقاتلي الجيش واللجان الشعبية اليمنية.
على المستوى الرسمي اعتبر رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام أن دعوة أمريكا لوقف العدوان على اليمن نوع من المزايدة وإيذانا بدخول مرحلة جديدة من التصعيد، حيث أشار إلى أن الوفد الوطني لم تصله أي دعوة لجولة مفاوضات جديدة، مؤكداً أن المواقف الأمريكية سبقها تحضير كبير على المستوى العسكري للتصعيد في الساحل الغربي وهو ما تُرجم ميدانياً خلال الساعات الماضية، حيث تجاوزت الغارات على الحديدة ومنطقة كيلو16 في مديرية الحالي أكثر من 130 غارة إضافة للقصف المدفعي والبحري العنيف. ودعا عبدالسلام الشعب اليمني للوثوق بعزيمة جيشه ولجانه، واصفاً المرحلة الحالية بمرحلة حصد ثمار الصمود في مواجهة دول العدوان.
أمام ما تقدم، يتضح زيف ونفاق الإدارة الأمريكية، ليتلخص المشهد بإعطاء "بومبيو" كلاً من السعودية والإمارات مهلة شهر للسيطرة على الحديدة، وإلا فسيكون الموقف صعباً أمام البلدين في حال تقرر حصول مفاوضات، وتبقى التصريحات الأمريكية محاولة باهتة للتهرب من الأزمة الإنسانية الكارثية التي يشهدها اليمن والتي لم يعد المجتمع الدولي قادراً عن السكوت عنها. وهنا اليمن أمام محطة مفصلية وتاريخية، شهر من الصمود سيكون كفيلاً بكسر إرادة الغزاة، وأمام ما نرى من صمود وتضحية وتصميم على النصر، حريٌ بنا عنونت معركة الساحل الغربي المستمرة، بأنها معركة "نكون، أو لا نكون."
محمد خازم