هيثم ابو الغزلان
لم تتوقف يومًا التهديدات التي يطلقها القادة "الإسرائيليون" ضد غزة لإجبارها على وقف "مسيرات العودة وكسر الحصار"، وتعود مجددًا بأساليب وكلمات يظن مطلقوها أنها ستُؤثّر على القطاع وأهله، ليترافق ذلك مع استمرار جيش الاحتلال باستهداف المدنيين الفلسطينيين على تخوم القطاع وسقوط الشهداء والجرحى في محاولة لوقف مسيرات العودة المُطَالِبَة بفك الحصار والتأكيد على حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم التي اقتلعوا منها.
وهدّد "بنيامين نتنياهو" وعدد من قادة كيانه بشنّ عملية عسكرية ضد قطاع غزة، في حال استمرت "مسيرات العودة"، التي بحسب نتنياهو على الفلسطينيين أن يوقفوها قبل أن يتم "توجيه ضربات كبيرة" للقطاع. أما "أفيغدور ليبرمان" وزير الجيش "الإسرائيلي" فقال يجب "توجيه ضربة شديدة وقاسية وساحقة لحركة حماس طالما استمرت الأحداث على الحدود"، قبل أن يوضّح أن ذلك يحتاج إلى "موافقة المجلس المصغر والحكومة وعلى الوزراء أن يقرروا ذلك"، و"استنفاد جميع الخيارات الأخرى قبل التّوجّه إلى الحرب".. ويرى ليبرمان أن "الوضع في غزة والضفة مُعقّد ولكن في الشمال أكثر تعقيدا".
ويخشى "الإسرائيليون" من أن يؤدي استمرار "مسيرات العودة وكسر الحصار" المستمرة منذ 30 آذار من العام الجاري إلى تأثير ذلك على "الجمهور الفلسطيني" في الضفة الغربية والقدس الذي لن يبقى مكتوف الأيدي هناك. خصوصًا مع استمرار اعتداءات واقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى، واستمرار جرائم المستوطنين ضد المواطنين الفلسطينيين ما يُعدّ مخالفة صريحة للقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية وبخاصة اتفاقيات جنيف الأربع، وحقوق الإنسان. وهذا يتطلب من محكمة الجنايات الدولية أن تعمل على محاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني كونها جرائم حرب لا ينبغي أن يفلت مرتكبوها من العقاب.
وفي الوقت نفسه تستمر الانتهاكات ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية، والتغوّل في الاستيطان الذي يصفه ميثاق الأمم المتحدة بأنه "جريمة حرب" وانتهاك ضد الإنسانية، ومخالفة صريحة للقرار الدولي الذي يحمل الرقم (2334) الذي ينص على وقف كل النشاطات الاستيطانية ويُجرّم وجود الاحتلال الصهيوني الذي ارتكب ويرتكب المجازر ضد الشعب الفلسطيني في محاولة لفرض خيار "الترانسفير"، لتتلاقى بذلك طروحات الإدارة الأمريكية التي تسعى إلى فرض ما بات يطلق عليه "صفقة القرن"، مع إقرار ما يسمى "قانون "القومية الأساس"، من أجل تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي.
التوقعات "الإسرائيلية" التي تخشى من تفجّر الأوضاع في الضفة المحتلة بات لها ما يُؤيّد وقائعها
ويبدو أن التوقعات "الإسرائيلية" التي تخشى من تفجّر الأوضاع في الضفة المحتلة بات لها ما يُؤيّد وقائعها من خلال تنفيذ عمليات تستهدف الجنود والمستوطنين "الإسرائيليين" هناك، وليس آخر ذلك: إصابة جندي إسرائيلي في عملية طعن بالضفة المحتلة، وقبلها عملية مستوطنة "بركان" التي أدت إلى مقتل مستوطنيْن، وإصابة ثالث. العملية التي وصفها رئيس الوزراء "الإسرائيلي" "بنيامين نتنياهو" بالخطيرة.
ورغم استخدام جيش الاحتلال للرصاص الحي ضد المتظاهرين السلميين على تخوم قطاع غزة منذ انطلاق مسيرات العودة، والذي أدى ويؤدي إلى المزيد من الشهداء، والذي لاقى ردود فعل شاجبة ومنددة ومستنكرة لهذه الأفعال "الإسرائيلية" التي ترقى إلى جرائم حرب، إلا أن جيش الاحتلال "لم يُغيّر من سياسة فتح النيران في قطاع غزة"، وجنّد وسائله الاعلامية دفاعًا عن هذه الجرائم وتبريرًا لسفك دماء المتظاهرين الفلسطينيين السلميين. الذين لا يرى الجيش "الإسرائيلي"، بحسب ما ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية، أن دخول فلسطينيين من القطاع إلى الأراضي المحتلة، يشكل تهديدًا كبيرًا، ومع ذلك يعمد جيش الاحتلال إلى استهداف المتظاهرين الموجودين بعيدًا عن "السلك الزائل" بالرصاص الحي!
إن تأكيدات قادة حركات المقاومة في فلسطين، وبالتحديد حركتي "الجهاد الإسلامي" و"حماس" تشير إلى الإصرار على مواصلة "مسيرات العودة وكسر الحصار" حتى تحقيق أهدافها، فالوضع في القطاع لم يعد يحتمل المزيد من الإجراءات العقابية حيث يسعى أهل القطاع إلى كسر الحصار وليس إلى استجرار المزيد من الحصار! ولهذا كانت الرسالة قوية بحسب ما ذكرت صحيفة "الحياة" اللندنية في عددها الأحد (14-10-2018)، أن حركة "حماس" أبلغت القاهرة أخيراً، أن الوضع في غزة "سينفجر في وجه إسرائيل أو مصر في حال فرَض الرئيس محمود عباس عقوبات جديدة على قطاع غزة"، محذرة من اقتحام عشرات آلاف الفلسطينيين الحدود واستشهاد الآلاف.
السيناريو السابق هو أحد الاحتمالات المتوقعة التي يضعها القادة "الإسرائيليون" في اعتبارهم في التعامل مع الوضع الميداني والتكتيكي للقطاع. ومن الاحتمالات المتوقعة "رضوخ" الأطراف لمطالب "مسيرات العودة" وكسر الحصار عن القطاع، أو خوض جولة تصعيد مدروسة ومحدودة ومنضبطة بالتحركات الإقليمية والدولية التي ستعمل على ضبط الأوضاع وإعادتها إلى مربعها السابق، أو أنها ستتطور ولكن ليس إلى عملية واسعة، أو أن الأمور ستخرج عن السيطرة ويتم تنفيذ عملية برية قد تستمر لأشهر عديدة دون أن يتمكّن جيش الاحتلال من حسمها. توجد للسيناريو الأخير كوابح عديدة، لكن حصوله لن يكون مستحيلًا إذا خرجت الأمور عن السيطرة لما يحويه من تداعيات خطيرة.