انسجامًا مع مبدأ استمرار العجلة التشريعية في العمل والإنتاج، تتحضّر كتلة الوفاء للمقاومة في المرحلة المقبلة لاقتراح عددٍ من القوانين التي تصبّ في مصلحة المواطن أولًا وأخيرًا. من بين هذه الطروحات، قانونٌ مرتبط بتعديل المادة الأولى من قانون إنشاء مجلس الخدمة المدنية يتضمّن توسيع صلاحياته في مجال التوظيف، وقانونٌ آخر يتعلّق بالتطويعات في الأجهزة الأمنية بعيدًا عن المحاصصات، وقانونٌ ثالث خاصّ بالمناقصات العمومية وتنظيمها والحدّ من الهدر الحاصل فيها.
الورشة التشريعية التي تُعدّ لها الكتلة تضع في سلّم أولوياتها تفعيل أجهزة الرقابة الإدارية والقضائية والبرلمانية في سياق محاربة الفساد، كما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطاباته الأخيرة. وقد يكون النشاط النيابي الساحة الأكثر فعالية في عمل نواب حزب الله راهنًا ولاحقًا. لا يُفارق هؤلاء مكاتبهم في ساحة النجمة، حضورهم يُسجّل يوميًا هناك، لتيسير شؤون الناس وإنجاز ما عليهم من قوانين دراسةً وتنسيقًا مع المرجعيات والجهات.
ولادة الحكومة المتعثّرة لم تُضعف عزيمة نواب الكتلة، ولم تحلْ دون مشاركتهم في الجلسات العامة التي دعا إليها رئيس المجلس نبيه بري في اليومين الماضيين. جميع أعضائها حضروا، لم يغب أحدٌ منهم خلافًا للكتل النيابية الأخرى.
خلال جلستين عُقدتا على مدى يوميْن ضمن 4 جولات نهارية ومسائية، شاطر نواب "الوفاء للمقاومة" زملاءهم في بحث جدول أعمال مؤلّف من 29 بندًا. صحيح أن الحصيلة الختامية للتشريع انتهت بإقرار 15 قانونًا فقط، لكن المداولات التي حصلت بيّنت مساهمة فعّالة لنواب حزب الله.
أذونات غير شرعية
في اليوم الأول من الجلسة التشريعية، بادر النائب علي فياض للحديث عن الأذونات غير الشرعية التي تُعطى عشوائيًا من قبل البلديات، فيما يُلاحق أحد المواطنين الجنوبيين على خلفية عدم استحصاله على رخصة بناء خيمة 3*5 فقط في حديقة منزله، بعدما طولب بإجراء رحلة "طويلة عريضة" بين البلديات وقوى الأمن الداخلي والمعلومات للحصول عليها.
فياض أثار موضوع تلوّث الليطاني إثر تبلّغه إمكانية انقطاع المياه عن 250 ألف شخص في منطقة مرجعيون وبنت جبيل فجأة، بسبب تكدّس الرمول والوحول في نهر الليطاني، سائلًا "هل هذه طريقة لترسيخنا في قرانا؟"، ودعا في الوقت نفسه الى "بتّ استراتيجية وطنية متكاملة لحلّ مشكلة الآبار الارتوازية العشوائية والمياه الجوفية".
بدوره، حذّر النائب علي المقداد خلال الجلسة من "أننا بتنا على مشارف أزمة اقتصادية اجتماعية"، مشيرًا الى أن "البعض يتعاطى مع قضايا الناس باستنسابية".
قانون النفايات الصلبة
مع البدء بمناقشة المشروع الخاصّ بالإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، قدّم الوزير والنائب حسين الحاج حسن موقف الكتلة، فأكد أن "المشروع يحتاج الى تعديلات لناحية الفرز من المصدر ومرجعية الهيئة الوطنية التي ستتولّى إدارة النفايات، والنقاش هو حول الآلية وليس في ما يتعلق بوجود القانون الذي يتضمن كل التقنيات المطلوبة، وقد تكون المشكلة في التطبيق، وعلينا ألا نخلط بين اصل القانون وتطبيقه".
المعاملات الالكترونية والوساطة القضائية
بالموازاة، أعلن الحاج حسن تأييد الكتلة لإقرار مشروع القانون المتعلق بالمعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي بعدما بُحث في الجولة المسائية من الجلسة العامة في يومها الأول، فيما عكس النائب إيهاب حماده توجّه "الوفاء للمقاومة" بشأن مشروع القانون المتعلق بالوساطة القضائية في لبنان، قائلًا إن "هناك مجموعة من الملاحظات أُقرّت كتعديلات في اللجان، ومنها أن الأسباب الموجبة والتي تشكل جزءًا أساسيًا من القانون غير وافية"، فيما توقّف النائب نواف الموسوي عند مركز الوساطة والوسطاء.
حماية كاشفي الفساد
حين تناول "أصحاب السعادة" اقتراح القانون الرامي الى حماية كاشفي الفساد، برزت مشاركة لافتة لنواب "الوفاء للمقاومة". الموسوي قال إن "حصر هوية كاشف الفساد بالقاضي لا يطمئن ويبقى غير مجدٍ.. التبليغ يقدم إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (التي من المفترض أن تعمل الحكومة على إنشائها)، وهي تتحقّق من الأمر".
النائب حسن فضل الله أبدى رأيه في فرضية إعفاء المشارك بالفساد اذا كشف عن الفساد من أيّة محاسبة، فأكد أنه "اذا أُعفي من يكشف عن الفساد بعدما شارك به فهذا إجراء يشجع أيضًا على الفساد".-
الموسوي أبدى ملاحظاته على اقتراح القانون الرامي الى مكافحة الفساد في عقود النفط والغاز عند طرحه، على الرغم من أن المصادقة على مواده مرّ بهدوء، فهو شدّد على أن "المطلوب الالتزام بالشمولية"، فيما طلب فضل الله "تعريف المعلومات السرية وتحديدها حتى لا تخفى كل الأمور تحت هذا العنوان".
"أوف شور"
اليوم الثاني من الجلسة التشريعية كان غزيرًا بمداخلات نواب حزب الله. طرح اقتراح القانون الخاصّ بنظام الشركات المحصور نشاطها خارج لبنان "أوف شور" للمناقشة، رأى فيه النائب نواف الموسوي فرصةً لإقراره خاصة أنه مرّ سابقًا على اللجان المعنية، وقال إن تنحية جهود أعضاء لجنة الإدارة والعدل لا يبدو أمرًا ملائمًا.
رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد قال "ليس هناك ما يمنع فصل قانوني "التجارة البرية" والـ"أوف شور" خاصة أن لجنتي الاقتصاد والمال معنيتان بقانون التجارة"، وهو بالفعل ما خلُص إليه البرلمان حين صادق على قانون "أوف شور" كما هو، وأحال "التجارة البرية" الى اللجان المشتركة.
الاعتراض على "معاهدة الأسلحة"
الاعتراض الأبرز لـ"الوفاء للمقاومة" الذي سُجّل في المناقشات التشريعية كان على مشروع القانون المتعلّق بالموافقة على إبرام معاهدة "تجارة الأسلحة". رعد أعلن رفض حزب الله للمعاهدة، طالبًا ردّها، وأوضح أن "المعاهدة هذه ستدخل في منظومة القانون الدولي، و"اسرائيل" تعتبرها من أهمّ انجازاتها"، داعيًا الحكومة لـ"التنبّه من انعكاساتها على لبنان، خاصة أن العدو سيستغلّ توقيع الدولة اللبنانية عليها"، كما حثّ على إحالتها الى لجنتي الخارجية والدفاع، مشدّدًا على أن "اسرائيل" ستستفيد وحدها من المعاهدة.
وفي السياق نفسه، ذكّر الموسوي بأن العدو لم يوقّع على اتفاقية حظر استخدام القنابل العنقودية فيما لبنان وقّع عليها، وقال "لماذا علينا الالتزام بهذه الاتفاقية و"اسرائيل" لا تلتزم، لا بل توقّع على ما يناسبها؟"، مشيرًا الى أن "معاهدة السلاح لا تُناسب لبنان وتكوين قدراته الدفاعية".
أمام دفاع الحريري عن المعاهدة، وادّعائه أنها تصبّ في مصلحة لبنان وأمام تمسّك كتلٍ نيابية بضرورة الموافقة عليها، أعلن النائب علي عمار انسحابه من الجلسة احتجاجًا على إقرار الاتفاقية تضامنًا وانتصارًا للشهداء والجرحى ودموع أمهاتهم، كما قال. المعاهدة صودق عليها، لكن نواب "الوفاء للمقاومة" و"المردة" و"السوري القومي" و"تكتل لبنان القوي" (إيلي الفرزلي وشامل روكز وحكمت ديب وأنطوان بانو وجورج عطاالله وسليم خوري) والمستقلون اعترضوا عليها، فيما امتنعت كتلة " التنمية والتحرير" عن التصويت.
الصحة والطرقات
وفيما يخصّ اتفاقية القرض المقدم من البنك الدولي للإنشاء والتعمير لتعزيز النظام الصحي في لبنان، عكس النائب علي المقداد ترحيب الكتلة بالمشروع "اذا كان سيُوزّع بعدالة على كل المناطق".
طلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض مع البنك الدولي للإنشاء والتعمير لمشروع الطرقات والعمالة، استدعى تعليقًا من النائب حسن فضل الله الذي لفت الى أن "هذا القرض يحتّم على الحكومة إرسال شرحٍ عن كيفية توزيع الأموال والاعتمادات في المناطق اللبنانية"، ودعا الى "وضع بند ينصّ على ذلك ضمن مرسوم خاصّ".
"نصف التشريع"
بالانتقال الى الاقتراح الذي وصفه رئيس المجلس بأنه "نصف تشريعنا"، أي قانون دعم فوائد القروض الممنوحة من المؤسسة العامة للإسكان، قدّم النائب علي فياض مطالعة حزب الله حول الموضوع، مشدّدًا على ضرورة إنجازه دون تأجيل، "فنحن نحتاج الى تحريك الواقع الاقتصادي الذي تراجع بنسبة 24% عن السنة الماضية"، متحدّثًا عن الحاجة الى قانون برنامج يمتدّ لخمس سنوات، سائلًا "هل القانون يضبط تجاوز الأسقف المسموح بها؟ علينا أخذ كلّ الضمانات التي تُطمئن ذوي الدخل المحدود دون السماح لأحد بالتحايل".
من جانبه، تحدّث النائب إيهاب حماده عن تضرّر الوضع الاقتصادي والنقدي في لبنان جرّاء أزمة الإسكان، وطالب بـ"تقديم توضيح لعملية احتساب الاعتماد الذي سيُفتح من قبل وزارة المال لدعم قروض الإسكان".
الصيغة التي أجمع النواب ورئيس حكومة تصريف الأعمال على السير بها يمكن اعتبار أنها طُرحت من قبل وزير الشباب والرياضة محمد فنيش على الرغم من أن كتلة " المستقبل" هي التي بادرت الى تقديم اقتراح القانون المذكور. المُداولات أظهرت موافقة مختلف الكتل على ما طرحه فنيش بشأن وضع برنامج قانون تُقدّم بموجبه 100 مليار ليرة سنويًا على مدى 5 سنوات لدعم القروض السكنية. صيغةٌ مبدئية تمتّ بلورتها عبر فتح اعتماد بـ100 مليار ليرة لدعم فوائد قروض الإسكان على سنة واحدة مشروطًا بسياسة إسكانية ترسمها الحكومة المقبلة خلال 6 أشهر.
أساتذة الثانوي أولوية
ومن بين المراسيم التي كانت تضغط كتلة الوفاء للمقاومة للسير بها خلال جلسة الأمس تعديل القانون المتعلق بأصول التعيين في وظيفة أستاذ تعليم ثانوي في المدارس الرسمية. التعطيل المقصود للجلسة وتطيير نواب "المستقبل" و"القوات" نصابها حال دون البتّ بالقانون.
تعليقًا على هذه العرقلة، توجّه النائب ابراهيم الموسوي للمعلمين المعنيين، قائلًا "حين وصلنا الى مشروع القانون الذي يخصكم، حاول البعض القفز فوقه وطرح اتفاقيات إضافية من خارج جدول الاعمال، وحين لمسوا إصرارنا على تثبيت هذا المشروع وطرحه للنقاش والتصويت، تمّ تطيير النصاب"، واعدًا إيّاهم بأن يبقى ملفّهم في رأس الأولويات.