محمد عيد
لم يعد في جوار حضر ما يخشاه أهلها، فمع دخول الجيش السوري تل الحمرية جنوب البلدة وتطهيره من الإرهابيين، باتت حضر حرة من أطرافها الأربعة للمرة الأولى منذ العام 2015. الوجه الآخر للألم والحقد الذي صبه الكيان الصهيوني وأدواته التكفيرية على البلدة، كان الصمود الأسطوري الذي مارسه أبناؤها ضد كل محاولات ترهيبهم.
النصر حلاوة الصبر
يحق لأهالي حضر أن الاحتفال طويلاً بالنصر والحرية، وهذا ما جرى بالأمس، فهم الذين حوصروا لسنوات طوال من قبل إرهابيين وجدوا فيهم العقبة في السيطرة على كامل ريف القنيطرة المشاطر للجولان السوري المحتل حيث جند كيان العدو الاسرائيلي عملاءه بغية إنشاء حزام أمني كبيروعميق داخل الأراضي السورية يحمي حدود الكيان الغاصب ويكون منطلقا لتهديد دمشق عبر وصل الجغرافيا الإرهابية من مثلث درعا القنيطرة ريف دمشق وصولا إلى تهديد العاصمة عبر استمرار تدفق الإرهابيين من الجنوب إلى غوطتيها ووصل سلسلة جبال الحرمون بسلسلة جبال القلمون، وهو الأمر الذي انهار مع سقوط قلاع الإرهابيين في الغوطة ودرعا.
الجيش السوري برفقة اللجان الشعبية المدافعة عن حضر والشرطة العسكرية الروسية انتشروا في القبع وتلة الحمرية آخر معاقل الإرهابيين جنوب حضر، حيث كان هؤلاء يصبون منها جام حقدهم على أهالي حضر الصامدين الذين فشلت "اسرائيل" في استقطابهم وهي التي فتحت لهم "ممرات آمنة" باتجاهها وفاوضتهم على كف أذى الإرهابيين عنهم مقابل خلع ثوب الوطنية السورية. بيد أنها لم تلق منهم أي تجاوب، فكان أن دفعوا الثمن كوكبة إثر كوكبة من الشهداء الذين بلغ عددهم 140 شهيدا، أولهم فراس ركاب وآخرهم رابح حمد، وبين الإثنين طفلة صغيرة مظلومة عمرها سنتان تدعى ميرا فراس زيدان، استشهدت إثر إصابتها بشظية قذيفة حاقدة، فزفها والدها بفستانها الأبيض الجميل إلى عرس الشهادة وعاد لتوه إلى الكمين ليواصل القتال ضد الصهاينة والتكفيريين.
مصدر عسكري سوري أفاد موقع "العهد" الإخباري بأن "الجيش السوري قام بتأمين المحور الجنوبي لحضر بالكامل وأعاد الأراضي الزراعية لأصحابها كما قام بفتح الطريق الرئيس وعمل على تفكيك الألغام والعبوات الناسفة وفتح الطرق الفرعية المغلقة ليتم بذلك تأمين محيط بلدة حضر بالكامل وتطوى صفحة الحرب المستمرة جنوبها بشكل نهائي وشرقها سابقا منذ العام 2012.
حضر في الأزمة
في استعراض سريع لأهم الأحداث المفصلية التي مرت بحضر منذ نشوء الأزمة، نجد أن حضر كانت الجبهة الأولى التي فتحها الجيش العربي السوري ضد المجموعات الإرهابية في ريف القنيطرة منذ العام 2012 وبالتحديد مع إرهابيي جباتا الخشب لتكون البلدة الوحيدة التي بقيت متواصلة مع الجولان السوري المحتل ولم تسقط بأيدي التكفيريين كباقي قرى الشريط. لكن ثمن هذا الصمود كان باهظا على اعتبار أن "إسرائيل" لم تقف مكتوفة الأيدي تجاه هذه البلدة التي لم ترفع الراية البيضاء فاستوعبت البلدة أطنان المتفجرات التي سقطت على رؤوس أبنائها وما تلاها من عشرات الهجمات الشرسة التي تصدى لها بشراسة المئات من أبناء البلدة وعناصر الجيش السوري المتواجدين هناك كما حصل في معركة قرص النفل أواخر العام 2017 وما تلاها من مواكب تشييع جماعية. اضافة لتلك التي حصلت بعد محاولات الأهالي فك الحصار الغذائي عنهم في معركة المحور الشرقي ضد مسلحي بيت جن، الذين حاولوا قطع شريان الحياة الوحيد عن النساء والأطفال داخل البلدة، فضلا عن الشهداء الذين ارتقوا بعدما قام الإرهابيون بإحراق محاصيل التين والعنب والتفاح والكرز وإغلاق الطرق أمام تسويقها من قبل الأهالي المعتمدين بشكل شبه مطلق على الزراعة.
محاولات الكيان الاسرائيلي تذهب أدراج الرياح
أثناء وجودنا في حضر، قام الأهالي بإسماعنا تسجيلاً لإتصال هاتفي قام به عضو الكنيست والوزير الصهيوني أيوب قرا مع أحد وجهاء بلدة مجدل شمس المحتلة، أبدى من خلاله الوزير الصهيوني "اهتماما كبيرا" بأهل حضر زاعماً سعيه إلى تقديم العون والمساعدة لهم فيما يطلبونه. كان الوزير الماكر يحاول أن يوسط وجيه بلدة مجدل شمس مع أهالي حضر لتمرير مشروعه والزعم بأن استهداف جيشه لبلدة حضر يطال "إيران وحزب الله فقط" قبل أن يفاجأ بالكلام الصاعق الذي جعله ينهي حديث النفاق هذا بشكل هستيري. رد سليل بني معروف على الوزير المتذاكي "لا تحاول جمع المصاري لأهالي حضر، أهالي حضر ما بدهم مصاري ولا ناقصهم كرامة، بدنا "إسرائيل" تكف بلاها عنا، امنع المدفعية تبعيتك تقصف على حضر، "إسرائيل" لها مصلحة بالحزام الأمني، حضر فيها رجال، مدفعيتكم بالأمس قتلت رجلا وابنه من أهالي حضر، كفوا بلاكم عنا".
لم يكن هذا الجواب يتيما فلقد سبقته أجوبة آخرى بالقول وبالفعل، فالممرات الآمنة التي أوجدها الكيان الغاصب "لحماية أهل حضر" لم تجد من يمر عليها سوى الوحشة والريح التي لا تفارق البلدة الشامخة.