كانت خطاباتهُ كالسيف حين بَلِه العدو وشاء الحرب. حادًا في موقفه، صادقًا في قوله وفعله، واثًقًا في قراره. ولأنّ "واثق الخُطى يمشي مَلِكًا"، كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ملكًا على قلوب محبيه وندًا قويًا لمُخاصميه.
تفوق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على قادة العرب والعالم خِطابًا وحُضورًا. فتميّزت شخصيته الفذة وأثرت بشكل لا يُضاهى على وعي الجمهور ومجريات الحرب العسكرية منها والناعمة.
سلاحُ الحرب النفسية: السيد نصر الله
خطابات الأمين العام لحزب الله وشخصيته القيادية ودورها في الحرب النفسية ضد الكيان الاسرائيلي تتطلب مجلدات نختصر منها ما يلي.
على صعيد خطاباته، كان الرجل القيادي سيّد الكلام منذ ريعان شبابه، يصقل خبرته الخطابية منذ الستة عشر عامًا. فليس بالمستبعد عنه أن ينتقي القائد المثقف بعد خبرته الطويلة في الحرب العسكرية والناعمة، كلامه وعباراته لتنهال على الصهاينة بفاعليةٍ كوابلٍ من الرصاص. حتى اشاراته وتعابير وجهه ويديه أمور، لا يمكن أن يتغاضى عنها أحد. لاسيّما المهتمين الذين يواكبون تفسير تعابيره الصادقة.
أمّا في خطاباته فمعايير القوّة والصدق تتجلى بشكل واضح وناصع في كلامه. لاسيما من خلال استخدام عبارات التهديد والتوعد التي يوازيها تحقيق الوعود وتنفيذها ما يجعل المجتمع الاسرائيلي يأخذ خطابات الأمين على محمل الجد، ويساهم هذا في عملية تخويفهم وإرعابهم. وفي مثال على ذلك خطابه في لحظة قصف البارجة الحربية الاسرائيلية في حرب تموز 2006، الذي أربك العدو حينها. حتى أقرّ الباحث الاسرائيلي والمختّص في الحرب النفسيّة د. ينيف ليفيتان، وأعلن أنّ "(السيد) نصر الله تمكن من الانتصار في الحرب الاعلامية خلال تموز 2006، لاسيما من خلال هذا الخطاب الذي كان ببثٍ حيٍّ ومباشر، ولم تتمكن "إسرائيل" من منع البث، فوصلت الرسالة إلى المجتمع الإسرائيلي الذي توصّل إلى قناعة بأنّ عدوه اللدود لا يكذب قط".
معايير الصلابة في خطابه تجلت كذلك في تهديده للكيان الاسرائيلي بتوجيه ضربة مؤلمة للمفاعل النووي في ديمونا. التهديد الذي جعل المحللين والباحثين الاسرائيلين لاسيما "ليفيتان" يعترف بنجاح الحرب النفسية التي ينتهجها الأمين العام. ويقول أنّ إحدى أهّم العبر والنتائج المفصليّة في بحث الدعاية، أو ما يدعى بالبروباغندا، هي أنّ "الدولة مُجبرة على الدفاع عن جمهورها من الدعاية التي ينتهجها العدّو، وتحديدًا في زمن الحرب" بحسب قوله.
الأمين العام بنظر الأعداء
يقول الكاتب والمحلل في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة "هآرتس" "تسفي برئيل"، "أنّ "(السيد) نصر الله قد حاز على صفة "الشخص الموثوق بكلامه، وفي كلامه انعكاس واضح على مئات الآلاف من الإسرائيليين وعلى "إسرائيل" برمتها. وبعيون الكثيرين، يعد هذا الرجل، وعن حق، من طرد "إسرائيل" من لبنان وأوجد منظومة ردع هائلة في قبالتها". ويعلّق في السياق نفسه "باختصار، نصر الله وللمرة الأولى يحطم قاعدة متفقاً عليها لدى الجمهور والإعلام الإسرائيليين: زعيم عربي لا يتبجح؛ لا يكذب وكلامه دقيق". وهذا ما يظهر بشكل واضحٍ لا لُبس فيه مدى تأثر المجتمع الاسرائيلي جمهورًا وقادة ومؤسسة أمنية بخطاب السيد نصر الله وشخصيته.
الحرب والحرب المضادة..حيثُ لا مفرّ من قوة نصر الله
لقد عمد الأمين العام لحزب الله على مدار السنوات إلى استهداف معنويات العدو و"المجتمع" الصهيوني وهزّ ثقته بنفسه. خصوصًا أنّ الأخير يسارع لمتابعة خطابات السيد نصر الله، التي ساعدته ليبث رسائله باتجاه العدو قبل الصديق، وهذا ما لا يقل أهمية عن الجهد العسكري نفسه.
وعملية التأثير هذه لم تكن آنية، بل كانت تراكمية. هذا ما يؤكّده الباحث في الشؤون الاسرائيلية حسن حجازي لموقع "العهد" الذي يجد أنّ مجموعة المواقف والخطابات في تاريخ المقاومة ساهمت في القيام بتحولات على صعيد الحرب النفسية "وأظهرت مدى هشاشة قدرة العدو على البقاء والصبر، فانكشفت حقيقة المجتمع الاسرائيلي غير القادر على تحمل الخسائر، والذي تملك المقاومة القدرة على التأثير فيه معنويًا وعسكريًا".
الكيان يدرك تماما خطورة ذلك، وهذا ما تفسره الأبحاث والمقالات التي كتبت عن مواجهة خطاب نصر الله، وتأثيره السلبي في الجمهور والجيش الإسرائيليين. فكانت عدّة محاولات من قبله للسيطرة على "ظاهرة نصر الله" على حد قولهم، منها محاولة الكيان بقرار عسكري منع الاعلام الاسرائيلي من التطرق لخطابات الأمين العام خشية التأثر بأقواله وإيقاف البث المباشر لترجمة كلماته ورسائله . كما حاول الكيان تشويه صورة قائد المقاومة وإقناع المجتمع الاسرائيلي بخلاف صورة الرجل الشجاع والصادق إلاّ أنهّم فشلوا وارتدّ ذلك سلبًا على "اسرائيل". في هذا الصدد يرى حجازي أنّ "سبب فشل مخططاتهم التي عززت صورة نصر الله بدل تشويهها يعود بشكل أساسي إلى أنّ صورة قوّة وصدق الأمين العام قد رُسّخت في الوعي واللاوعي الاسرائيلي، وأي محاولة لدحض ذلك لم تعد تنفع بعد أكثر من ستة وثلاثين عامًا من التحولات التي أكّدت انتصار المقاومة دائِما".