العماد اميل لحود(*)
من يراجع تاريخ لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي يجد ان "إسرائيل" التي فشلت في فرض اتفاقية 17 أيار على لبنان استمرت وبدعم أميركي واضح في لاتها الهادفة لفرض واقع تحقق عبره مصالحها الاستراتيجية. ويستطيع المتتبع للسياسة الإسرائيلية حيال لبنان ان يقف على ما تريده إسرائيل من حرمان لبنان من أي مصدر من مصادر القوة، وإلزام لبنان بالتفاوض معها على الأرض والثروات مع اسقاط الحقوق اللبنانية السيادية والطبيعية وصولا الى ادخال لبنان في الفضاء الاستراتيجي الإسرائيلي.
بيد ان "إسرائيل" عجزت خلال العقود الأربعة الماضية من الوصول الى ما تصبوا اليه رغم الحروب الثلاثة التي شنتها ورغم العمليات الإرهابية التي ارتكبتها ضد لبنان ورغم المساعدة التي تلقتها وللأسف بشكل مباشر او غير مباشر من اللبنانيين عن قصد او غير قصد، وفي هذا الإطار نؤكد ان الموقف اللبناني في فترات معينة ومعطوفا على القوة التي جسدها أداء الجيش اللبناني الوطني والمقاومة أفشل تك المحاولات الواحدة تلو الأخرى.
و خدمة للحقيقة وللتاريخ ومن اجل العبرة و الفائدة نذكر بان محاولة السلطة اللبنانية في اب/ أغسطس من العام 1993 لأرسال الجيش للجنوب لمنع المقاومة من أداء واجبها الوطني لا بل و تجريدها من سلاحها ، افشلت بالموقف الذي اتخذته قيادة الجيش اللبناني الوطني عندما كنت اضطلع بمسؤولياتها، وان محاولة "إسرائيل" في العام 2000 للتفاوض على تدابير امنية قبل الانسحاب افشلت و فرض على إسرائيل الخروج من لبنان من غير أي تفاوض و بدون أي قيد او شرط، كما ان محاولة "إسرائيل" لتعديل الحدود و قضم ارض لبنانية في 13 منطقة تكاد مساحتها تلامس ال19 مليون م2 افشلت بسبب صلابة الموقف اللبناني الذي ابدته الدولة عندما كنت في سدة رئاستها .
وعلى جانب اخر افشلت محاولات بعض المسؤولين اللبنانيين في مؤتمرات عربية في القمة وما دون القمة من اجل نزع سلاح المقاومة او التنكر لها، لأنني كنت ولا زلت أرى ان المقاومة حاجة وطنية في ظل اختلال موازين القوى العسكرية بين لبنان وإسرائيل والتضييق الدولي على تسليح الجيش اللبناني بما يمكنه من الدفاع منفردا عن لبنان. ولا يمكن ان ننسى في هذا الإطار ما حصل في قمة السودان 2006 حيث عمل على شطب المقاومة من بيانها ووثائق القمة فرفضت او ما حصل في قمة السعودية 2007 حيث عمل على ادخال النقاط السبع التي تتضمن تجريد المقاومة من سلاحها وتنفيذ ما عجزت عنه "إسرائيل" أي تفكيك المقاومة بأيد لبنانية وعربية لكنني نجحت في منع القمة من تبني هذه النقاط رغم الضغوط التي مورست على لبنان وبمساهمة من رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك.
لقد تمكن لبنان في العام 2000 من تحرير ارضه وتثبيت حقه في حدوده الدولية دون ان يعطي "إسرائيل" أي فرصة للتفاوض معه على أي حق من حقوقه الثابتة في الحدود والسيادة والامن، ورفضنا انشاء أي لجنة ثنائية او ثلاثية مع "إسرائيل" لأننا نعرف ان أي انزلاق في هذا المسار سيلحق بلبنان وبحقوقه الضرر الجسيم بدءا من امكان تفسيره بانه تنازل عن اتفاقية الهدنة او تجاوز للحدود الدولية الثابتة.
بيد ان "إسرائيل" ظلت متمسكة بأهدافها وتحاول وتناور وتستثمر أي فرصة تلوح لها من اجل تحقيق احلامها وهذا ما فعلته في العام 2006 بعد القرار 1701 حيث انها قضمت أكثر من منطقة من المناطق ال 13 التي أخرجت منها في العام 2000، وعجزت الأمم المتحدة عن تطبيق القرار 1701 على "إسرائيل" التي عرضت التفاوض عليها مدعية انها مناطق متنازع عليه. وللأسف وقع كثير من المسؤولين اللبنانيين في الفخ الإسرائيلي وسموا هذا المناطق متنازع عليها في حين انها ثابتة في لبنانيتها وهي معتدى عليها من قبل "إسرائيل" وليست محل نزاع مع أحد.
ان التفاوض المطروح إسرائيليا والذي تسوق له اميركا اليوم بين لبنان و"إسرائيل" برعاية الأمم المتحدة هو مناورة خطرة جدا تؤدي في حال الاستجابة لها للإطاحة بالحدود الدولية الثابتة والمعترف بها وتضييع مكتسبات لبنان التي تحققت في العام 2000 وتمنح فرصة لإسرائيل للتفاوض على حقنا الثابت في حدودنا وارضنا.
والأخطر من ذلك هو طرح موضوع مزارع شبعا الواقعة على الحدود اللبنانية السورية للتفاوض مع "إسرائيل" أيضا، علما بان الأمم المتحدة تأكدت في العام 2000 من لبنانية هذه المزارع بالاستناد الى الملف المكتمل الذي قدمه لبنان والموافقة السورية على الملف اللبناني وفقا لما يثبته الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره المرفوع الى مجلس الامن في 22\5\2000، وان أي تفاوض في هذا الشأن قد يفسر على انه اعتراف ضمني بضم "إسرائيل" للجولان السوري وهذا ما لا يمكن ان يقوم به لبنان بكل تأكيد.
ان تجربتي خلال 18عاما في قيادة الجيش اللبناني أولا ثم في رئاسة الجمهورية أكدت لي وبشكل قاطع انها وحدها القوة و ليس التفاوض مع "إسرائيل" او الاتكال على الأمم المتحدة و قراراتها، القوة وحدها تحمي لبنان قوة الجيش الوطني وقوة الشعب وقوة المقاومة وقوة الدعم من الأصدقاء المخلصين وما عدا ذلك سراب ولذلك نهيب بالمسؤولين في لبنان للاعتبار من التاريخ و الامتناع عن منح "إسرائيل" أي فرصة لاسقاط حدودنا الدولية والإساءة للشقيقة سورية مهما كانت الضغوطات التي تمارس والتبريرات التي تساق فلدينا من القوة اليوم ما يمكننا من تحصين مواقفنا المشروعة ومن حماية أرضنا وحقوقنا والدفاع عنها واستعادة المغتصب منها وبكل ثقة.
(*) رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق