تعليقاً على ما فاضت به بعض القرائح النفطية في نقد "ثقافة المقاومة" :
ـ إذا كانت الثقافة تعني "المعرفة بالإنسان" فرداً ومجتمعاً وتشخيص مصالحه الحقيقية المؤدية إلى السعادة والطمأنينة الفعلية لا الشكلية المصطنعة، فالزواج الباطني بين الوهابية والليبرالية هو نقيض الإنسانية في حقيقته، سواءً بالنسبة الفئات المضللة المستفيدة من رغد النفط أو تلك المستعبدة أو المضطهدة والمستضعفة بالسلاح والتضليل.
ـ إذا كانت الثقافة تعني "الحرية الفكرية"، فكيف لمن باع عقله لعدو الفقراء والمستضعفين في العالم، أن يدعي الحرية، وأول شعاعها الإنحياز إلى المضطهدين والسعي إلى العدالة العامة، وكيف له أن يقف في وجه الحركة التحررية التي حققت أول نصر حاسم على الغطرسة الغربية المتمثلة بالكيان الصهيوني المصطنع.
ـ إذا كانت الثقافة تعني "إدراك الجماليات الإنسانية"، والتطلع إلى تشييد صروحها في القلوب والعقول، فنحن بحاجة إلى كرونولوجيا شاملة لما قدمته الإقتصاديات والثقافات النفطية للأمة طوال القرن الماضي، وحتى ما قبله، سواءً في رسائل الدكتوراه المتخصصة بالأكل بالملاعق أو حرمة لعب كرة القدم، على مستوى الجماليات المعرفية، أو على مستوى الشكل واللغة والأداء الوهابي، أو على مستوى تمويل الإعلام الذي يجمل صورة الغرب الأبيض السخيف والمتوحش.
ـ إذا كانت الثقافة تعني "المعرفة بالعالم" فأول شرط له هو ترك الإنعزال الإستعلائي تجاه البشرية، من قبل أهل النفط أو أهل الرطانة الإنغلوساكسونية الفجة، لكي يتسنى لهم التعرف على الثقافات الأخرى دون الأحكام الإستعمارية والبترودولارية المسبقة، والتعايش مع المجتمعات لا بمنظار الدراسة الموضوعية الإستكبارية، بل بالتناظر العادل والتعارف الشامل.
ـ إذا كانت الثقافة تعني "ريادة التجربة" وسبق الآخرين إلى الذرى المعنوية والواقعية في المجالات المختلفة، فأنى لمن لا يزال يرتع في النظم السياسية القبلية والعائلية التي تخلت عنها البشرية منذ أمد بعيد، أن يدعي تلك الريادة، ومن هو أقل من ذلك من الذين باعوا أقلامهم لتلك العائلات "المالكة" للعقول.
أما إن كانت تعني فقط تجميل وجه الملك السعودي أو أيادي المستعمر البيضاء، فالمقاومة بريئة منها، لا بل إن دورها هو كسر هذا التضليل الفج والبائس وفضحه أمام الأمم.
هادي قبيسي