كانت وتيرة دخول الأهالي الى القرى الجنوبية المحتلّة ـــ قبل ساعات فقط ـــ تتسارع.. من دون تخطيط، تجاوز هؤلاء بوّابة بعد أخرى.. طواعية هذه المرّة، بسطت الأرض راحتيها للأقدام الحرّة.. وشرّعت طرقاتها المعبّدة وغير المعبّدة أمام "سالكيها" الأصليين.. بعدما حفر عليها أعداؤهم لسنوات ألف "موت" و"دمعة".. فجأة، دُفن "صلف" الآليات المجنزرة.. ما عاد لأزيزها وقع في الأرجاء..
وحده صراخ عملاء العدو الإسرائيلي ارتفع من ذات مكان ـــ على الحدود مع فلسطين المحتلة ــــ قال أحدهم لكبيرهم أنطوان لحد:"كنّا متوقعين ننكحت بس بشرف".. هكذا تركهم الصهاينة لقلقهم.. وقفوا لساعات طوال، تنافسوا على باصات لم يكن العدوّ قد حدد وجهتها بعد..
بعضهم الآخر لم يلتحق بتلك الباصات نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة.. ولم يعد يملك أيضا خريطة بقائه في لبنان.. انتكسوا في أماكنهم ينتظرون المصير.. فخرج اليهم من يدلّهم عليه.
"قرأت قيادة المقاومة جيّدا خلفيّات انسحاب الإسرائيلي من دون اعلام عملائه.. رهانه كان الفتنة.. مواجهة بين العملاء والأهالي "المحرِّرين" لقراهم بأنفسهم من جهة.. أو مواجهة مع المقاومة من جهة ثانية.. فالجيش ليس متواجدا.. ولا "يونيفيل" لضبط الأمور": يشرح مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا لموقع "العهد الاخباري" ويشير: "هنا، كان القرار.. قبل وصول المقاومين "عسكريا" الى تلك المناطق: المطلوب رسالة الى العملاء وعائلاتهم"، ويضيف: "حزب الله وحركة أمل أخذا على عاتقهم "ضبط الأمور" فيما يتعلّق بالعملاء" ، "هكذا توجّهت الى كنيسة رميش ، وهناك كان الوزير علي حسن خليل ــ مسؤول منطقة الجنوب في حركة أمل في حينه ـــ وسويا، اجتمعنا بأهالي العملاء، ونقلنا رسالة قيادة المقاومة: على العملاء تسليم أنفسهم وأسلحتهم، أمّا عائلاتهم فلا أحد ستيعاطى معها، وعليها الأمان في منازلها".
من رميش الى دبل وعين إبل، حمل صفا وخليل الرسالة نفسها. ساعات قليلة على تلك الوعود، من سلّم نفسه من العملاء الى المقاومة، سلّمته الى الجيش اللبناني. جُمع سلاحهم وأعطي للسلطات الأمنية اللبنانية. "ضربة كفّ" لم تحصل حينها.. أحد لم يقترب من عائلات العملاء.
نجحت المقاومة في تحصين إنجاز التحرير حتّى قبل أن يكتمل "كل ذلك كان بتوجيه مباشر من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله"، يكشف صفا. ويروي: "كان سماحة السيد يتابع معي عبر الهاتف الخلوي لحظة بلحظة وخطوة بخطوة، كان حريصاً على انتقاء العبارات المطمئنة لأهالي العملاء. أمّا العملاء فالقضاء يحدّد مصيرهم" وهذا ما كان.
اكتمل التحرير الأوّل.. عاد الأمان الى الجنوب.. وبقيت مفاعيل "كلمة" المقاومة الى ما بعد اطلاق سراح عملاء أمضوا محكوميّاتهم.. عادوا الى قراهم.. لم يقترب أحد منهم.. ومنذ ذاك اليوم في أيار عام 2000، لم يُسمع عن أحد "آذى" عميلا آذاه يوماً. "لأنّ من يسكن تلك الأرض المحرّرة، شعب كان على قدر النصر، يليق به النصر"، يختم صفا حديثه.