في 25 أيار/مايو عام 2013، وعلى أرض القصير التي شهدت أروع الملاحم، سقط دم مصطفى صالح بيد الله ونما، هو من سطر معنى البطولة والوفاء والفداء، هو من لم ينتظر كي يرى ابنتيه، كي يؤذن لهما، كي يحضنهما ويشمهما، وهو الذي انتظر 3 سنواتٍ كي يرى له ولداً.
شاب في زهرة عمره، هاجر في سبيل الله طمعاً بلقاء الحسين عليه السلام، وهو من أجنّه حب الحسين، فقدّم شبابه، وأيتم ابنتيه.
هو من أراد لابنتيه أن تلبسا ثوب العز قبل أن تولدا، كيف لا وهما ابنتا شهيد، عشق ابنتيه من قبل أن يعلم جنسهما، عشقهما لقدرٍ جعله لا ينتظر ولادتهما، فهو من يريد لهما حياةً كريمة، حياةً هانئة، حياة عزٍ ووقار، فكانت شهادته طريق حياتهما، التي سيَّجها بطهرِ دمه، وزَينِ شبابه.
بعد ولادتهما، هما من قصدتا الوالد الشهيد، نامتا فوق الرخام، ومن أحق منهما بأن يتوسدا آية وكلمة الشهيد! وفوقهما الشهيد يناغيهما من عليائه، وهما تضحكان له بلهفة، يتردد في النزول كي يحضنهما بطيفه، أو أن يرفع يديه من تحت الضريح ويلمسهما، يسر لهما بكلماتٍ لم يسمعها غيرهما: " حبكما في قلبي من حب الحسين لابنته رقية"، "يا فلذتي، وعيني في هذه الدنيا، فلتخبرا العالم أني استشهدت لاستقامة الدين، حتى لو كان الثمن يتمكما"، "صغيرتي، وددت لو أني أعيش العمر عمرين معكما، لكنني أحببتكما بقدرٍ أكبر، بقدر أن أحافظ عليكما، على حرمة بيتي وأنتما نبضه، على حجابكما، على اسميكما زينب وحوراء، على مشيتكما على استحياءٍ وليس بذٌلٍ.."، فلتخبرا العالم أني وكل الدماء التي سالت قبلي وبعدي، سالت كي تحافظ على تحرير أيار، وانتصار تموز، وسترة مقام زينب الحوراء، وكلمة "أشهد أن علياً ولي الله"، "لن تمر ليلة دون أن أنزل إليكما وأقبلكما قبلة ما قبل النوم، وأتحسس وجنتيكما الصغيرتين..".
تكبر زينب وحوراء، ويكبر معهما لقب ابنتي الشهيد، لكم كانتا تستمتعان بالنظر إلى صوره الباسمة والضاحكة تحيط بهما من كل جانب، لكم كانتا تتسلقان صورته، تطمعان بضمة منه، تقبلان وجهه، وتناديانه مرات ومرات، ولا تملان. بالنسبة لهما الآن، وبعد سنوات خمس على الشهادة والولادة، "بابا" يعني صور معلقة على الجدران، ورخامة تركضان نحوها وتستأنسان بها. ستكبر زينب وحوراء، وستدركان أكثر معنى " لم تحضنني، ولم تستقبلني، ولم تودعني، ولم تعد". لكن، ستتيقنان أن أباهما عشقهما فوق الحب، وأورثهما طُهر لقب.