بدأ الحديث في الانتخابات في لبنان وبدأت معه الحملات الإعلامية في مختلف الاتجاهات، وكان أبرزها الهجمة السياسيّة والإعلاميّة التي استهدفت حزب اللّه وبيئته، واستخدمت فيها العديد من العناوين تصدرها موضوع السلاح، بدءاً من التصويب على دور حزب الله في الشأن الداخلي وتحديداً في الموضوع المطلبي وملف التصدّي للفساد - حيث تنوعت التهم بين اتهام الحزب بالمشاركة في الفساد أو اتهامه بالوقوف على الحياد - وصولاً إلى مساءلة الحزب عن إنجازاته الداخلية وتقديماته لبيئته ومناطقه، التي يعيش معظمها ظروف الحرمان كما العديد من المناطق اللبنانية الأخرى، وصولاً إلى التصويب المباشر على نوّابه ووزرائه في الحكومة، من حيث الدور والفاعلية، وكذلك حجم التمثيل على مستوى المناطق وذلك بعد البدء بظهور الأسماء المرشّحة، وغيرها من العناوين، انتهاءً بمحاولة تظهير وجود نقمة شعبيّة على الحزب داخل بيئته ومجتمعه.
التهديد
بعد إعلان حزب اللّه عن إطلاق حملته الانتخابيّة في مختلف المناطق وفق النمط المعتاد، عبر المنسّق العام لهذا الملف نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، وإعلانه التحالف الشامل مع حركة "أمل"، بدأ حزب الله يستشعر حجم التهديد الذي يواجهه من خلال الحملة الإعلاميّة والسياسيّة الضخمة عليه.
نقطة التحوّل
بعد تشخيصه للتهديد، شهد حزب اللّه عمليّة تحول سريعة، كاستجابة لهذا التهديد، ما استدعى استنفاراً واسعاً وغير مسبوق على مختلف الصعد الإعلامية والسياسية وكذلك على المستوى الشعبي.
أولى تجليات هذا التحوّل كانت في قرار الحزب قيام أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله بسلسلة لقاءات داخلية تستهدف البيئة التنظيمية للحزب، وإقامة مجموعة من المهرجانات الانتخابية تتضمن إطلالات غير مسبوقة في تاريخ الحزب للسيد نصر الله من حيث العدد وكذلك الفاصل الزمني بينها (في بعض الأحيان لم تتجاوز اليومين) إضافة لتوزع هذه المهرجانات على المناطق.
على الصعيد الإعلامي، أطلق حزب الله حملة إعلامية واسعة عبر قنواته الإعلامية وشبكات التواصل الإجتماعي التي أنشأ فيها العديد من الصفحات الفاعلة في هذا السياق، وتضمنت شعارات تعبوية وإستعراضاً لإنجازات الحزب السياسية والتنموية الخاصة في مختلف المناطق. وفي خطوة جديدة، باشر الحزب بحركة تواصل فاعلة على المستوى الشعبي، تضمنت مجموعة من اللقاءات، الندوات، الاجتماعات والتواصل مع كافة الشرائح في مناطقه.
تحويل التهديد إلى فرصة: فن أتقنه حزب الله
على مدى السنين الماضية، أتقن حزب الله عملية الإستفادة من الظروف التي كانت تواجهه والتي كانت تشكل في كثير من الأحيان تهديدات متنوعة، حيث استطاع الحزب استغلالها وتحويلها إلى فرص لتحقيق المكاسب.
تعلم الحزب هذه الحرفة منذ أيام مقاومته للعدو الإسرائيلي، حيث كان يحول التهديد المتمثل بالتفوق العسكري للعدو الى فرصة يحقق من خلالها الإنجازات، والأمثلة كثيرة في هذا السياق، نذكر منها تهديداً قاسياً واجهه الحزب لسنوات عدّة وهو القدرة التكنولوجية للعدو وتحديداً في مجال طائرات التجسس وكشفها لتحركات المقاومين، حيث تمكنت المقاومة من اختراق هذه الطائرات واستطاعت بذلك معرفة نوايا العدو من خلال كشف أهدافه والمسارات التي سيسلكها عبر استقراء حركة طائراته، وحول بذلك هذا التهديد إلى فرصة استفاد منها لسنوات طويلة.
عمل الحزب وفق هذا الأسلوب، وتوسع في تطبيقه في أكثر من مجال ليصبح مع الزمن فناً يتقنه، وقد برع أمينه العام في تظهير هذا الفن لما يملكه من مصداقية أولاً وقوة خطابية ثانياً.
الاستحقاق الانتخابي واقتناص الفرصة
تعرضت بيئة المقاومة خلال السنوات الماضية لحملات منظّمة، كان الهدف الأبرز منها إيجاد الشرخ بين المقاومة وبيئتها الحاضنة لما شكلته هذه الأخيرة من حماية وضمانة أساسية لاستمرار المقاومة وتعاظمها، إضافة إلى تشويه صورة حزب اللّه محلياً وعالمياً، وقد شارك في هذه الحملات العديد من الجهات الداخلية والخارجية واستخدمت فيها العديد من الوسائل الاعلامية المحليّة والعربية وحتى العالمية، ودفعت فيها الأموال الطائلة، وقد كشف عن جزء منها، في التقرير الذي قدّمة السفير السابق للولايات المتّحدة الأمريكيّة "جيفري فيلتمان" والذي كان على رأس هذه الحملات.
وصلنا الى الاستحقاق الإنتخابي، وبدأ الحزب بشخص أمينه العام بما يملكه من رصيد كبير لدى بيئته وحلفائه، بالعمل وفق المبدأ المحبب إليه والذي يتقن فنّه: إغتنام فرصة التهديد الحالي والقديم وتحقيق المكاسب، وهذا ما ظهر في المحاور التي تعرض لها في خطاباته والتي تعدى هدفها التعبئة للمشاركة بالانتخابات لتحقيق مجموعة من الأهداف المخطط لها أو التي أتت في سياق العرض، نوجزها بالنقاط التالية:
أولاً: تثبيت وتوثيق الرابط بين المقاومة وبيئتها بعد الهجوم المكثف الذي تعرضت له هذه الأخيرة خلال السنوات الماضية وصولاً الى بداية الحملات الانتخابية.
ثانياً: تهيئة الأرضية لمشاركة الحزب بالقرار الداخلي والذي وجد الحزب نفسه مضطراً للدخول فيه لعدّة أسباب لا يتسع المجال لذكرها، وخاصة في الموضوع الاقتصادي وملف الفساد.
ثالثاً: الدخول بشكل أوسع على خط معالجة الهموم المطلبية لبيئة الحزب.
رابعاً: تحضير الرأي العام اللبناني للدور الجديد الذي ينوي حزب الله لعبه في الملفات الداخلية التي تشكل بحد ذاتها تهديداً للبلد عموماً وله بالتتبع.
خامساً: رسم الخطوط العريضة السياسية والإقتصادية للحكومة المستقبلية وتحميلها مسؤولية معالجة المشاكل التي يعاني منها البلد.
الفوز قبل النتائج
كما هو واضح فإن النقاط التي تم استعراضها تتجاوز بكثير الاستحقاق الانتخابي وتمهد للمرحلة المستقبلية، وتثبت الدور المستقبلي للحزب فضلاً عن الإنجاز الأساسي الذي تحقق بنسبة كبيرة، والمتمثّل بتمتين الروابط والصلات والتواصل بين المقاومة وبيئتها، وهذا ما ينتظر حزب الله أن تثبته نتائج الإنتخابات ونسب المشاركة فيها.
فيما يعود لحزب الله وأهدافه الكبرى، فإن هذه المكاسب تتجاوز بكثير أي إنجاز ممكن أن يحققه في هذه الانتخابات.