ساجد عبيد
الزمان : يوم الحرية 29/01/2004
المكان: مجمع سيد الشهداء(ع) – الرويس.
اكتمل عرس الحرية، وانتهت مراسم الاحتفال. خرجنا برفقة والدي من باب خلفيّ للمنصة الرئيسية، باتجاه السيارة التي ستنقلنا إلى المنزل في حارة حريك. على الدرج الخلفيّ للمنصة، أوقفنا رجلٌ أربعيني، ممتلئ الجسم، بهيّ الطلعة، جميل المنظر والهيئة، تعلو محيّاه ابتسامة ملؤها الحب، وبريق النصر في عينيه. "الحمد لله ع السلامة شيخ عبد". قالها الحاج، واحتضنا بعضهما طويلًا.
همَستُ في أذن والدي: "هل عرفته؟". في خلفية الأصوات يتردّد نشيد (فرسانك عادوا يا شعبي كالنصر كواكب) على مكبرات الصوت في المجمّع، وتختلط مع أصوات الجمهور والناس. لم أسمع جوابه، فقد شغله التحديق بعينَي الحاج وقسمات وجهه، عن سماع السؤال، فضلًا على الإجابة. هو يسترجع ذاكرته منذ ما قبل خمسة عشر عامًا.
"الحاج رضوان يا بَيِّي"، استدركت أنه ربما لن يعرفه باسمه الجهادي، فهو ليس الاسم نفسه الذي كان يعرفه به. "الحاج عماد، إيه الحاج عماد ما غيره يا بيِّي"، قلتها بسرور وحبور، وصوتي يرتجف من الفرح. هنا، وما إن اكتملت الصورة عند الشيخ، حتى تعانقا مجدّدًا. كررالحاج تهنئته للشيخ بالسلامة، فأجابه بعبارته التي يحب: "الشكر لله وللمجاهدين الذين هم سبب حريتي بعد الله". نظرات العيون استرجعت الأيام الخوالي بسرعة.
اطمأن الحاج رضوان على تحرير الأسرى حتى آخر اللحظات، فهو الذي خطّط لحرية الأسرى منذ اللحظات الأولى. وضع خطة عملية الأسر في شبعا، واكب كل تفاصيلها، حضر المناورات والتدريبات، أشرف على تنفيذ العملية بشكل مباشر وبكل مراحلها، ناهيك عن كل التفاصيل المتعلقة باعتقال العقيد في جيش العدو، "الحنان تننباوم"، وصولًا إلى جميع مراحل التفاوض للتبادل مع العدو عبر الوسيط الألماني، حتى اكتمال الصفقة والوصول إلى خواتيمها.
في الوقت نفسه، كان الحاج مهتمًا بكل ما يتعلق باحتفال الحرية، واستقبال المحررين، من الأمور اللوجستية إلى الفنية والإعلامية والتنظيمية، وحتى الثياب التي سيلبسها المحررون فور استلامهم في ألمانيا، فأشرف شخصيًا على كل الترتيبات، ولم يشأ إلا أن يختمها بلقاء الشيخ في المجمع.
بعد أسبوعين، يوم 14 شباط، يرنّ الهاتف في منزلنا، على الجانب الآخر يُخبر أحدهم: "الحاج ع الطريق صوبكم، جهزوا حالكم". أسرعت وأبلغت والدي، وانتظرت قرب الباب، دقائق وسمعت صوت توقف المصعد، فتحت الباب، واستقبلته": في بيتنا الحاج رضوان.
كانت الزيارة خاصة للتهنئة بالحرية، والسؤال عن المعتقل وظروفه، وأيامه ولياليه. طال الحديث، من شجون إلى حنين، ومن وقائع إلى أحلام. سأل الحاج الشيخ عن الشهيد فلان والشهيد فلان، رفاق الدرب قبل الأسر، عن ظروف المعتقل، عن المعاناة، عن العائلة والأهل والأولاد، عن كل شيء، في جلسة لا تُعوّض. في نهايتها نقل الشيخ للحاج القصة التالية:
"قبل ليلة من نقلنا إلى ألمانيا لإتمام التبادل، جاء إيهود ياري (الصحافي الاسرائيلي المعروف)، طلب مقابلة منّي فرفضت. قال لي حينها: هناك شخص واحد في هذا العالم، تمثل مقابلته بالنسبة إلي أمنية وحلمًا: عماد مغنية".
هذا هو الحاج رضوان، أصرّ على ختم عملية التبادل بنفسه، ليحضر تمامها ونجاحها، كما خطّط لها، له في كل طلقة أجرٌ ونصيبٌ وسبب، منذ ولادة المقاومة إلى اليوم، فهو ليس قائد الانتصارين فحسب، بل يمكننا أن نطلق عليه "قائد كلّ انتصار".