هدى رحمة
في تشرين الأول/ اكتوبر من العام 2015، في سهل الغاب في ريف حماه في سوريا، وخلال معركة حامية بين رجال الله والتكفيريين، أُصيب ثائر إصابةً قويةً في قدمه اليمنى، مع شظايا في الرأس وداخل العين اليمنى وسائر أنحاء الجسد. لكن الإصابة الأشد كانت في القدم اليمنى، خضع بعدها ثائر للعديد من العمليات، فكاحل القدم كان بالكاد ملتصقاً بباقي القدم، كان احتمال البتر موجوداً. لكن لطف الباري عز وجل قضى بأن لا تقتضي العملية البتر. في البداية ركّب الأطباء جهازاً لتثبيت العظم في القدم، وبعدها كانت عملية زرع أسياخ لتثبيت العظم، خضع ثائر بعد ذلك لعملية زرع عظم في القدم. وبعدها تركيب "جبصين" لمدة أشهر، تلاها جلسات علاجٍ فيزيائي.
في العملية الأخيرة التي أجراها ثائر أواخر عام 2016 انتشل الأطباء من قدمه كل ما يضر بها، وركبوا لها جهازاً حساساً يضع كل ما ينمو من جديد في المكان الصحيح.
قبيل العملية الأخيرة كان قلب ثائر يهفو لزيارة سيد الشهداء عليه السلام في ذكرى أربعينه، لكن توقيت العملية حال دون ذلك. في هذا العام زاد شوق ثائر لزيارة الحسين عليه السلام في الأربعين، وتهيأ لذلك، جمع المبلغ المطلوب من حسابه الشخصي، أجرى المعاملات الرسمية بنفسه. أما قلبه وجسده الحسيني فكانا حاضران منذ زمن.
كيف لا وهو بعد الإصابة مباشرة قرر الزيارة للدعاء، فهو لم يستشهد، أراد من الزيارة الدعاء للشفاء كي يكمل طريق الجهاد.
من نجف الأمير عليه السلام بدأت مسيرة العشق والمشي، على عكازين كان يمشي قدر استطاعته، وعلى الكرسي المتحرك كان الرفاق والزوار يتناوبون على دفعها. أراد أن يواسي الحوراء زينب عليها السلام في رحلة السبي، فكان له ذلك على طول الطريق من نجف الأمير إلى كربلاء الحسين. أصرّ على المشي كلما سنح له جسده بذلك، ولو على عكازين، فكّر كثيراً في الجرحى الذين عبروا هذا الطريق قبله، وكان دائم الدعاء لهم.
على طريق المشي كانت عيون الزائرين السائرين تنظر إليه باستغراب وتساؤلات "والله جاي لهون؟ ما عم توجعك؟ كيف جاي؟ كان فيك تجي بغير الأربعين."أما ما كان يفرح قلبه فكانت عبارات الدعاء للمقاومة وسيدها "الله يحميك ،الله يشفيك، الله يقويكن، الله ينصر المقاومة." ومن الزوار الإيرانيين بما استطاعوا من اللغة العربية "حزب الله لبنان، سيد حسن، ما شاء الله."
هي الراية الصفراء التي أعزّت أمة، ولم تحصد إلا الخير والنصر لكل من يتفيأ ظلها.
وعند الوصول إلى كربلاء أول جملة نطق بها ثائر أن "جنة الله على الأرض كربلاء" وأول مقام رأته عيناه بعد عبور العواميد كان مقام أبا الفضل العباس عليه السلام، وهو الآتي لمواساته، رغم الوجع والتعب، كيف لا، وفي باله أن العباس عليه السلام قُطعت يمينه وأكمل، وقُطعت يساره وتابع، كم لاقى من عذاب وأكمل، فمتابعة الطريق واجب.
يعلم ثائر ذو الـ26 عاماً والذي انتسب إلى خط المقاومة منذ عامه السابع عشر، أن كل مجاهد يذهب إلى معركة الدفاع المقدس ويُصاب فإنه يحمل شيئاً من أبا الفضل العباس عليه السلام، وهو يشكر الله الذي خصه بباب الجهاد وهو باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه. ويؤكد ثائر أن كل مجاهد يشارك في معارك الدفاع المقدس فهو يُعطي ويُقَدم حتى لو لم يصاب. كان يعزّ على ثائر خلال جلوسه في المنزل وأمام التلفاز يشاهد مشاركات المجاهدين في المعارك، كان قلبه معهم، وجسده يتوق لأن يكون بينهم.
وعند شباك ضريح سيد الشهداء عليه السلام، كان طلب الشهادة الدعاء الأول، دعا بالشفاء له ولكل الجرحى، كي يعودوا للجبهة. هو الذي حضر إلى حضرة سيد الشهداء كي يلبي النداء "أكيد لبيك يا حسين، جايين نلبي النداء، ما رح نتخلى، رح نضل ع هيدا الخط."
في المجالس واللطمات التي كانت تُقام، كان التأثر جليّاً على وجه ثائر، في اللطميات يبقى واقفاً يلطم صدره، وكان يذهب بعقله ووجدانه إلى واقعة كربلاء، يستحضرها، يرى مشاهد التعذيب والتنكيل بآل بيت محمد، وقلبه يدعو لأنصار الحسين في هذا الزمن من المجاهدين والجرحى.
عند الدخول إلى المقامات المقدسة، مجرد ما كان يراه خدام المقامات جريحاً، كانوا يفسحوا له الطريق، وكأن إصابته هي وسام وتأشيرة الدخول المقدسة، فهو الذي لبى نداء الحسين والعباس عليهما السلام بجسده.
عند العودة لأمير المؤمنين علي عليه السلام، يعزيه ثائر بالحسين الشهيد، يعاهده على الإستمرار بنهج الآل الأطهار.
يقول ثائر "في وجع، رغم الوجع بدنا نكمل، جرحى ومننصاب مره و2 وأكتر، جرحى وبعدا شهدا."
عن سيد الصدق والوعد الامين على الدماء السيد حسن نصرالله يقول ثائر بتنهيدة العاشق الموالي "الله يخليلنا ياه، انشالله بيضل فوق راسنا، هوي الأب المضحي والوفي، وهوي الأخ الكبير إلنا."
وللحسين الشهيد يقول "ما تركتك يا حسين."